«طوفان عنيد واصل لنهر السين عابر حدود وسدود وحواجز لون طمى مصر واسمه طه حسين كف البصر .. لكنه موش عاجز شد الرحال بالكلمة ومطاها ومسك فى إيده الأرض خطاها عتمة كهوف الجهل والأحزان وبكل عزم الحلم فى الإنسان حلمك يا طه فى البراح ناجز» كان حلم أستاذنا عميد الأدب العربى طه حسين أن يقهر الحائل الذى يمنعه من تلقى العلم والتعرف على علوم الدنيا وآدابها والسفر والترحال حتى أصبحنا نرى ببصيرته ونسير على دربه.. و صار هو رمزا للنجاح والتحدى والهمة العالية.. وعلى مستوى الموسيقى نفخر جميعا بإبداعات الفنان سيد مكاوى الذى لم يمنعه كف البصر من التحليق فى عالم النغم والخيال وترك لنا تراثا فنيا لا يمحى من الذاكرة.. يكفى أن نذكر من أعماله الليلة الكبيرة والمسحراتى.. وأيضا الفنان عمار الشريعى الذى غاص بنا فى بحر النغم وقدم لنا لآلىء الموسيقى العربية عبر تاريخها وشرح للمستمعين مواطن الجمال فى كل مقطوعة أو أغنية، وربى بداخلنا حس التذوق والنقد الموسيقى فضلا عن أعماله الفنية الخالدة ومقدمات أهم المسلسلات الدرامية.. وبالطبع لا ننسى فريق فتيات النور والأمل الذى صار عنوانا للموسيقى المصرية فى كل أنحاء العالم ووقف له الرئيس عبد الفتاح السيسى تقديرا واحتراما.. وعلى مستوى التمثيل المسرحى قدم فريق النور للمكفوفين بأسيوط تجربة فنية جديرة بالدراسة والتشجيع، شاهدت لهم عرضا فنيا غنائيا فى المهرجان الثالث لمسرح الجنوب.. ولفت انتباهى عدة ممثلين صالوا وجالوا على خشبة المسرح حركة وأداء ثم عدت فى المهرجان الرابع هذا العام لأجدهم يقدمون مسرحية كفر التنهدات للكاتب الراحل رأفت الدويرى من إخراج الفنان محمود عيد والمدهش هذه المرة أنهم اختاروا الشكل الاستعراضى رغم قلة الإمكانيات المادية وظروفهم الخاصة التى لم تمنعهم من تقديم رقصات تعبيرية أدهشت الحاضرين وأكدت جدية المران والبراعة والإتقان فى التشكيلات الجماعية.. والمسرحية تناولت فكرة القمع عن طريق إخافة البسطاء وغرس الخرافات داخل عقولهم المهيأة لاستقبال وتصديق كل ما يتعلق بحكايات العفاريت والجن.. ثم تتحول هذه الخرافات إلى غول حقيقى يطارد من اخترعها ويصيبه بلوثة.. ويتناول الكاتب بذكاء شخصية المرأة الريفية التى تحمل فى عقلها ميراثا حضاريا كبيرا يمكنها من المقاومة بشجاعة المبادرة برفض الظلم ومواجهة رموز القهر فى قريتها.. ولعل التراث المصرى يزخر بمثل هذه الشخصيات بالفعل من «إيزيس» «لناعسة» «لبهية» «لفؤادة» فى رائعة الكاتب الكبير ثروت أباظة «شىء من الخوف» وأخيرا «مرة» بضم الميم وتشديد الراء فى كفر تنهدات رأفت الدويرى.. وربما أجمل ما فى العرض هو دمج الممثلين من ذوى الهمم مع المبصرين حتى يعجز المشاهد عن تمييزهم.. تألق من فريق الممثلين لبنى مرزوق فى دور مرة.. وجرجس سيدهم فى دور جساس وهدير محمود فى دور جليلة ومحمد نصر الدين فى شخصية بصاص وحسن أحمد الذى لعب دور دهشان، وضم العرض مجموعة أغانى من تأليف أسامة نور الدين وإعداد موسيقى رضا قنديل كما ضم أغنيتين جميلتان هما زرع الندامة مهداة من الشاعر الكبير درويش الأسيوطى وميراث الدم مهداة أيضا من الشاعر حسام عبد العزيز.. ويعد فريق النور للمكفوفين بأسيوط تجربة مسرحية راقية تستحق كل الدعم والمؤازرة.