ينبغي لقارئ القرآن أن يتجاوب مع أسئلته، ويتفكَّر فيها؛ لتشرق أنواره في قلبه. ومن ذلك ما في سورة البقرة: «أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ». ويُلاحَظ أنَّ الجنة المسئول عنها ما مِن نفسٍ إنسانية إلا تصبو إليها؛ وقد يتوقع مَن يشرع في قراءة الآية أول مرة أنه سيجد القرآن يخبره بالسبيل إلى مثلها، ولكن الآية تفاجئه بحال صاحبها وذريته؛ فصاحبُها قد طعن في السن ولا يستطيع رعاية ما اكتسبه، وذريته ضعيفة، وهي التي كان يُرجَى منها -إن كانت قوية في مثل تلك الحال- أن ترعى هذه الجنة وصاحبها. هذه الحال كما يري مصطفى حمدون أمين الباحث في الفكر الإسلامي بكلية دار العلوم بالقاهرة تجعل القارئ يعيد النظر في رغبته في مثل هذه الجنة، لكنه قد يرى -إن لم يكمل الآية- أن مثل هذه الجنة تكون خير معين لمثل الرجل الكبير وذريته الضعيفة، ولكن الآية تبلغ بالقارئ إلى حدٍّ يصيب متأمِّله بالفزع الشديد؛ فهذه الجنة التي أمّل صاحبُها في خيرها له ولذريته قد احترقت فجأة في مشهد يطيش له عقل الحكيم... ولا شك أنه لا أحد يريد أن يعيش هذا المشهد حقيقةً. وكأنّ هذه الآيةَ البليغة يُراد منها تنبيه القارئ إلى أن يأخذ بالأسباب التي يُرجَى من ورائها أن يحمي ما وُفِّق إليه من الإنجازات والمكتسبات الصالحة. وليس في حياة المسلم إنجازٌ أفضل مِن أنْ يتقرَّب إلى الله بالأعمال الصالحة ذات الأجر العظيم؛ فكان عليه أن يحذر أن يضيع عمله بعد أن يتقنه، كأنْ يمُنّ على الفقير أو يستغله بسبب صدقته، أو أن ينسب الفضل لنفسه، وإنما الذي هداه للخير وأعانه عليه هو الله. وعلى العاقل الذي يعلم أن الدنيا دار اختبار أن يحذر أن يقع بسبب غفلته فيما جاء في خواتيم سورة الكهف: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا». ولا سبيل لحماية ما أنجزه الإنسانُ من أمور دنياه وآخِرته أفضل من الاستعانة بربه الرحيم؛ ليصلح عمله، ويهديه سبل السلام في الدنيا والآخرة.