تدق ساعات الجامعة احتفالا باستقبال طلابها بأحلامهم وأمانيهم وتضرعاتهم الي الله أن يكون مستقبلهم أفضل, إلا أنه سيأتي اليوم وتتوقف دقات الساعات لتعلن انتهاء الدراسة الجامعية.. وتتحطم أحلامه علي صخرة البطالة لأن أمثاله كثيرون وغير مؤهلين وتصبح شهادة تخرجه مجرد صورة علي الحائط لا لشيء إلا لأنه درس مالا يعمل به. ليستيقظ الطالب علي حقيقة مرة وهي أنه أصبح في الشارع بلا وظيفة أو خريجا بلا عمل, بداية يؤكد الدكتور يونس البطريق استاذ الاقتصاد العام بكلية التجارة جامعة الاسكندرية أن فتح باب التعليم لأعداد أكثر من إمكانيات الجامعات أضر بمستوي الخريجين نتيجة سوء العملية التعليمية مما زاد من عدد العاطلين الناتج عن نقص المهارات اللازمة لسوق العمل والتي يتبعها انخفاض الكفاءة في الجامعة مما ترتب عليه انخفاض المستوي المهني المؤهل للتوظيف وهو ما يمثل زيادة المعروض من خلال زيادة الخريجين بلا تدريب وقلة الطلب عليهم لنقص كفاءتهم في أداء أعمالهم لدرجة أن هناك بعض المصانع في برج العرب مثلا تستعين بعمال أجانب علي رغم توافر العمالة المصرية وانخفاض أجورهم مقارنة بالأجانب إلا أن صاحب العمل لا يقبل عليهم لانخفاض كفاءتهم المهنية.. لأن الخريج لدينا خاصة الجامعي يخرج ليمارس ما درسه في سوق العمل وينفذ ما تعلمه وهؤلاء لا تخرجهم الجامعة بالكفاءة المطلوبة لأنهم يدرسون نظريا وبشكل ضحل ولا يمكن مقارنتهم بالمستوي العالمي فالجامعات المصرية انخفض ترتيبها وأصبحت في ذيل القائمة لأنها لم تصبح علي المستوي المطلوب والمؤهل لسوق العمل. وعن الحل يقول الدكتور البطريق إن الارتقاء بالمناهج التعليمية والتدريبية السبيل الأفضل لفتح مجالات العمل أمام الخريجين خاصة إذا قمنا بإنشاء معاهد عليا فنية لحل العقدة الاجتماعية للحصول علي مؤهل عال ولكن مهني يوفر فرصة عمل حقيقية. فمثلا لدينا في جامعة الاسكندرية مايسمي بالماجستير المهني والذي يخرج من النطاق النظري الي النطاق التطبيقي والذي يرقي بمستوي الخريجين لتولي مناصب إدارية متميزة في مقار عملهم بحيث لا يهتم بالنظرية المجردة بقدر اهتمامه بالتطبيق العملي فإذا كنا فعلنا ذلك في الباحثين عن المؤهلات العليا إلا أننا فشلنا في تطبيقه مع البكالوريوسات لازدحام الجامعات بالطلبة الي جانب تكدس المناهج بمعلومات قد لا تفيد في سوق العمل.. ويشير السفير جمال بيومي أمين عام المشاركة المصرية الأوروبية بوزارة التعاون الدولي الي أن الربط بين نوعية التعليم والنمو واحتياجات مشاريع التنمية في مصر والخارج أصبح أمرا ضروريا بحيث يتم عمل تعليم فني صناعي يمكن الخريج من الحصول علي عمل بسهولة وبدخل مجز أفضل من كثيرين غيره من حاملي المؤهلات العليا بحيث لابد من فض الاشتباك بين التعليم والحصول علي وظيفة فلا أحد ينكر أننا كدولة لابد أن يكون لدينا فرصة للتوظيف لكل من يريد هذا بخلاف ما نعانيه أيضا من بطالة مقنعة والتي تصيبنا بأزمة حقيقية, ناهيك عن مشكلة الثقافة المجتمعية التي تهتم بحصول الفرد علي المؤهل العالي لذلك فنحن في حاجة الي أجندة سريعة أولا لمكافحة الجوع والبطالة لانهما مرتبطان وثانيا حاجتنا الي أجندة متوسطة الاجل لإعادة تشغيل الفئات التي توظف فعلا وتحصل علي أجور متدنية لأنها لا تعمل فنوجهها للإنتاج لتحصل بقدر ما تنتج كما نحتاج لأجندة طويلة الأجل لتغيير الثقافة المجتمعية. ويضيف السفير بيومي أن هناك أرقاما مفزعة منها مثلا أن لدينا55% من القطاع الزراعي خريجين لا تحتاجهم سوق العمل ولدينا6 ملايين موظف في الدولة نحن بحاجة الي2 مليون منهم فقط أما الحديث عن نسبة البطالة فهناك تقديرات تتراوح مابين9% و12% كما أننا في فئة الدخل المتوسط نجد أننا أقرب الي القاع منها الي الفئة العليا علي رغم أننا ثالث اكبر دولة عربية في الدخل القومي بعد السعودية والامارات ولكن عددنا الكبير مشكلة. إضافة الي كابوس الإضرابات في كل الفئات فكيف سأستقر وأجد فرص عمل وأنا لدي سيل من الاضرابات للمطالبة بمضاعفة الأجور عدة مرات وهذا المناخ يجعل التنمية أمرا صعبا وبالتبعية التوظيف حيث لا يوجد أي استقرار.. وهذا لا يعني أننا ضد زيادة الأجور ولكننا نطالب بعمل ينتج بقدر مايعطي وليس مجرد أجور فقط كما أننا لا ننكر أن أولوية حل أي أزمة هي التوظيف وعلاج الجوع حتي لا يتم إعاقة التنمية. أما الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ التنمية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومدير مركز شركاء التنمية فيري أن البحث عن حل لمشكلة البطالة للحاصلين علي المؤهلات العليا لن يكون علي المدي القريب.. فليس هناك مايمكن عملة, فهناك مسألة تتعلق بالنظام التعليمي والاقتصادي حيث إن النظام التعليمي يجتذب الطلبة الي الكليات التي ليس عليها طلب للعمل وحتي الكليات الأخري من الطب والهندسة يوجد وفرة في خريجيها ولكنهم لا يتمتعون بالمهارات المطلوبة لذلك فالأمر يتعلق بالخريجين الذين لابد من تنمية مهاراتهم.. أما أزمة الاقتصاد المصري فتمكن في أنه لا يوجد عدد جيد من الوظائف التي تمثل دخلا جيدا للفرد حتي إن العدد المطلق للوظائف أقل من الاعداد التي تبحث عن عمل يقدر بمليون فرد والمتوافر700 ألف وظيفة سنويا فقط وهذا في أفضل الأحوال عندما يكون الاقتصاد منتعشا والشركات ذات العمل المنظم من شركات وهيئات200 ألف أما الباقي فبين وظائف حكومية وقطاع غير رسمي لا تدر دخلا منتظما ولا تحتاج مهارات محددة مثل البائع المتجول أو عمال المطاعم وغيرهم. ولحل المشكلة لابد من العمل في اتجاهين الأول العمل علي دفع النمو في الاقتصاد بحيث يوجد عددا أكبر من الوظائف عالية الانتاجية وتحتاج مهارات متقدمة وتتيح لمن يشغلها دخلا مناسبا ويكون هناك توجيه بأن تكون المشروعات الجديدة كثيفة العمالة. ثانيا النهوض بالتعليم ورفع مستواه وهذا تحد هائل نظرا لارتفاع كثافة الفصول في المدارس الحكومية والتي تتراوح ما بين70 و80 طالبا طبقا لكلام محافظ الجيزة وهو ما لا يتيح خدمة تعليمية علي الاطلاق الي جانب تشجيع التعليم الفني والنهوض به فخريج التعليم لا يحصل علي المهارات المطلوبة ولذلك ينضم لجيش العاطلين. وعلينا النهوض ببرنامج التدريب ليواكب التغييرات المتلاحقة في سوق العمل من خلال تطوير مؤسسة التدريب حيث إن ما كان مطلوبا قديما لم يعد مطلوبا الآن وتحديثه أصبح ضرورة.