في الوقت الذي يتعرض فيه الإسلام لهجمة شرسة تمثلت في إنتاج فيلم يحمل إساءة للرسول الكريم, وهو ما أثار غضب ملايين المسلمين حول العالم وصاحب ذلك الكثير من ردود الأفعال علي المستوي الشعبي والرسمي للرد علي أعداء الإسلام , ظهرت بعض الأصوات من المسلمين أنفسهم تطالب بإنكار السنة وتنادي بالاكتفاء بالقرآن الكريم كمصدر وحيد للتشريع الإسلامي. وحذر علماء الدين من خطورة تلك الدعوات التي أطلقها من يسمون أنفسهم ب القرآنيين مؤكدين أن إنكار السنة يعد تطاولا علي الرسول وثوابت الدين, وأن هناك الكثير من النصوص قاطعة الدلالة علي حجية السنة ووجوب الرجوع إليها في استنباط الأحكام الشريعة, وان السنة النبوية هي المبينة لآيات وأحكام القرآن. وقال الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه المقارن جامعة الأزهر, أن بعض شواذ الفكر يرون عدم الحاجة للسنة اكتفاء بما ورد في القرآن, وقد أخبر الرسول صلي الله عليه وسلم بما سيكون من هذه الفئة الضالة المضلة إذ قال في الحديث الشريف يوشك أحدكم أن يقول: هذا كتاب الله ما كان فيه من حلال أحللناه, وما كان فيه من حرام حرمناه, ألا من بلغه عني حديث فكذب به فقد كذب الله ورسوله والذي حدثه, ويشير إلي أن هذه الفئة تمسكت بأدلة علي دعواها من ذلك قول الله تعالي ما فرطنا في الكتاب من شئ, وقوله سبحانه ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء, ولا حجة في هاتين الآيتين علي إهدار حجية السنة, لأن الكتاب في الآية الأولي يراد به اللوح المحفوظ, ولو سلم أن الكتاب فيها يراد به القرآن الكريم, فإنها لا تثبت مدعاهم لوجود النصوص الكثيرة قاطعة الدلالة علي وجوب الرجوع إلي السنة في استنباط الأحكام الشرعية, فضلا عن أن كثيرا من الأحكام جاء بيان القرآن لها مجملا, ولذلك فإنه يتعين حمل بيان القرآن لكل شئ في الآية الثانية علي بيانه الإجمالي لأصول الشريعة ومبادئها العامة. ويضيف أن البيان التفصيلي تكفلت به السنة, وقد نبأنا القرآن الكريم بأن الله تكفل ببيان كتابه فقال تعالي ثم إن علينا بيانه وأمر رسوله أن يبين للناس ما نزل إليهم فقال سبحانه وتعالي وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم وقد امتثل الرسول لما أمر به فبين للناس هذا التنزيل في سنته وأمر الحق سبحانه بطاعة رسوله فيما يبينه من أمور التشريع, وبالتالي فترك العمل بالسنة ترك لطاعة الرسول التي أمر الله بها, فكل حكم ورد في السنة ولم يرد تفصيلا في القرآن فهو مندرج تحت النصوص القرآنية الآمرة بطاعة الرسول فيما أمر به ونهي عنه, ويكون القرآن قد بين حكمه عن طريق جعله السنة أصلا تشريعيا للأحكام, وقد فهم أصحاب الرسول هذا المعني, فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يستدل علي حرمة تغيير خلق الله الوارد في السنة وكأن حرمة هذا التغيير ثابتة بالقرآن إذ قالت له امرأة بلغني إنك لعنت الواشمات والمستوشمات, والنامصات والمتنمصات, والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله, فقال لها: وما لي لا ألعن من لعنه الرسول وهو في كتاب الله, فقالت: لقد قرأت ما بين دفتي المصحف فما وجدته, فقال لها: لئن كنت قرأتيه لوجدتيه, فقالت: وأين أجد ذلك ؟, فقال لها: في قوله تعالي وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. ويشير إلي أن مهمة السنة ليست مقصورة علي بيان ما أجمله القرآن, أو تقييد مطلقه, أو تخصيص عامه, أو تأكيد ما ورد فيه من أحكام, بل إنها قد تستقل بتشريع حكم لم يرد له ذكر في كتاب الله تعالي, ولهذا فإن الأحكام التي جاءت في السنة تتنوع إلي ستة أنواع, النوع الأول: أحكام ترد موافقة لما جاء في القرآن الكريم, وتعتبر السنة في هذه الحالة مؤكدة ومقررة لما ورد فيه, النوع الثاني: أحكام جاءت بها السنة شارحة ومبينة لما ورد في نصوص القرآن من إجمال, النوع الثالث: أحكام جاءت بها السنة مخصصة لأحكام عامة وردت في القرآن, النوع الرابع: أحكام وردت في السنة مقيدة لحكم مطلق ورد في الكتاب الكريم, النوع الخامس: أحكام جاءت في السنة ناسخة لحكم ثبت بالقرآن, النوع السادس: أحكام استقلت بها السنة ولم يرد لها ذكر في الكتاب الكريم. أما الدكتور سالم عبد الجليل, وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة سابقا, فأكد أن إنكار السنة بالجملة كفر بواح لأن ذلك خلاف ما يعتقد المسلمإذ يجب علي المسلم أن يشهد أن محمدا رسول الله كما يشهد أن لا إله إلا الله, وتعني الشهادة أن يؤمن بما صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فعلا وقولا وتقريرا, وهؤلاء الذين ابتلي بهم المجتمع الاسلامي الذين أطلقوا علي آنفسهم القرانيين وأنكروا السنة القولية صحيحها وحسنها هم إلي الكفر أقرب منهم إلي الإيمان ولا ينفعهم ادعاؤهم بأنهم يقبلون السنة الفعلية فقط, فان الله تعالي أرسل رسوله وأوحي إليه وحيا باللفظ والمعني بواسطة جبريل عليه السلام وهو القرآن الكريم وأوحي إليه وحيا بالمعني دون اللفظ وهو السنة, وشهد سبحانه وتعالي بأن كل ما نطق به وحي من عنده سبحانه وتعالي فقال عز وجل والنجم إذا هوي ما ضل صاحبكم وما غوي وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي فلا يجوز لمسلم أن ينكر السنة كما ذكرنا, إذا أضفنا إلي هذا أن طاعة رسول الله صلي الله عليه وسلم مقرونة بطاعة الله تعالي في كتابه الكريم وفي مواضع عديدة تأكد لنا بوضوح أنه لا يسع المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا أن يقر بالسنة ويعمل بصحيحها وإلا فليراجع إيمانه.