منذ البداية كانت كل المعلومات والمؤشرات تؤكد أن جماعة الإخوان بميلادها المشبوه ومؤسسها المكشوف ستعمل بكل همة لإصابة مصر وطنا وشعبا بالشروخ وزعزعة الاستقرار فى اطار مخطط طويل الأمد لهدم الدولة وأن هذا الطريق مفروش بالدماء والمؤامرات، فلماذا تركها القائمون على الأمر فيما مضى؟ وكانت علامات الاستفهام قد أحاطت بالمؤسس حسن البنا، وسعى من سعى من الباحثين والدارسين والمتخصصين للتنقيب لمعرفة أصوله ودوافعه وأهدافه ولحساب من يعمل وقد توافرت معلومات كثيرة، ومازالت المحاولات مستمرة. وإن كان الأمر المؤكد أن الرجل وجذوره الأسرية، أى الأجداد الذين عاشوا فى المغرب وحرفة والده كساعاتي، ليس مصريا بالانتماء الحقيقى ولا مسلما حقيقيا. وكان عباس محمود العقاد من أول من أشاروا إلى أصوله اليهودية، وإذا ما انتقلنا إلى الجماعة ورئيسها ومن أحاطوا بها وشعاراتها وأناشيدها وهتافاتها التى تبدأ «بالقرآن دستورنا» و «الرسول زعيمنا» سنتساءل ألم يعرف أهل الحكم والأمن والفكر أن «القرآن دستورنا» تعنى بوضوح قاطع الرفض للدستور القائم أى دستور 1923 الليبرالى الذى كرس مفهوم الدولة المدنية وحقوق المواطنة والنهج الديمقراطي. وعندما يقولون القرآن دستورنا، فهم يضللون ويخدعون الناس باستخدام كتاب الله، لأنهم لم يقولوا بأى تفسير سيأخذون هل هو علم وتفسير حسن البنا؟ إذن ما هى مؤهلاته وخبراته وعلمه الذى يسمح له بالتصدى لدراسة القرآن، واختيار المذهب الذى يراه. وحتى لو كان له مذهب وتفسير ودراسة، فهل من الإسلام أن يفرض رأيه على الجميع ويطلب منهم الانصياع له؟ إن الإسلام ترك الاختيار للمسلم، فالعلماء يقولون، ومن هذه الآراء المتعددة والمختلفة يختار ما يستقر عليه ضميره. وفى اطار أهل السنة، كان أمام الناس مذاهب رئيسية أربعة هى الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، فكانوا يختارون، فلماذا يتصور الاخوان الآن أن من حقهم فرض رؤيتهم على الناس؟ وهل ما يقولون به يرتقى إلى مرتبة المذهب؟ ومثل هذا المكر والخداع كان منهجا ثابتا لهم، وعلى سبيل المثال، عندما قال المواطنون فى هتافاتهم أثناء الانتخابات، «إن الشعب يقف وراء النحاس» قال الإخوان، «إن الله يقف مع الملك» ومن أقوالهم فى شعاراتهم وهتافاتهم وأناشيدهم «والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا» ولا أعرف لماذا لم يقولوا «والحياة فى سبيل الله أسمى أمانينا» لماذا يعلنون أنهم يفضلون الموت على الحياة؟ لماذا ثقافة الموت؟ أليست الحياة هى التى تتسع للطاعة والعبادة والإحسان والتقوي، وللاستزادة منها؟ هل أرادوا أن يقولوا إنهم يختارون الشهادة فى سبيله؟ ولكن فى أى ميدان؟ هل سيقاتلون المصريين لفرض رؤيتهم للقرآن، واجبارهم على الانصياع لإرادة المرشد أو مكتب الإرشاد؟ هل أرادوا بث الخوف فى قلوب المصريين؟ ثم يقولون «فليعد للدين مجده أو تراق فيها الدماء» وهذا هو مربط الفرس. أى أنهم يقولون، إننا سنعمل على إعادة المجد للدين، وفى سبيل ذلك سنقتل الناس. وهكذا كان تعبيرهم عن حقيقة أهدافهم. فهم الموكلون بإعادة المجد للدين ولكن لماذا هم بالتحديد الموكلون من الله بإعادة المجد للدين؟ ولماذا يكون الوصول إلى هذا المجد عبر إراقة الدماء؟ هل بنى الرسول المصطفى الدولة وأرسى قواعد الدين بإراقة الدماء؟ ألم يطلب منه المولى سبحانه وتعالى مخاطبة الناس بالحسني؟ ثم ألم يقل فى كتابه الكريم، «إن الهدى هدى الله»، «من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر»، فلماذا يختارون إراقة الدماء؟ لقد كان كل شىء واضحا فى أدبياتهم وفى توجهاتهم، ومع ذلك تركوهم منذ البداية، فلماذا؟. لمزيد من مقالات عبده مباشر