ارتبط تطور الخط العربى ارتباطاً وثيقاً بالمصحف الشريف، لأنه كان الوسيلة المثلى لحفظ القرآن الكريم، ولأن حلم كل خطاط هو أن يخلد ذكراه بكتابة نسخة من القرآن، فقد سعى كل خطاط لتجويد وتطوير الخط العربى والعناية به حتى يتفرد ويتميز عن غيره ممن سبقوه، فضلاً عن أنه كان يعتبر ذلك نوعا من التقرب إلى الله تعالى. وقد ظهرت أسماء كثيرة من الخطاطين المتميزين الذين نسخوا القرآن الكريم بخطهم وأبدعوا فى هذه المهمة ومن أبرزهم خالد بن أبى الهياج ومالك بن دينار وقطبة المحرر فى العصر الأموى، وبعدهم جاءت مدرسة بغداد لتحمل لواء تطوير الخط العربى على يد أساتذتها البارزين ومنهم الضحاك بن عجلان واسحق بن حماد وابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمى، فهؤلاء كانت لهم إسهامات كبيرة فى وضع القواعد الأساسية للخط وإحكام ضبطه وهندسته، كما كان للمرأة إسهامها الكبير فى مسيرة الخط العربى فكانت شهدة بنت أحمد الدينورى بمثابة حلقة الوصل بين اثنين من كبار الخطاطين وهما ابن البواب وياقوت الموصلى. كما ظهرت أسماء مثل ابن مقلة الذى يطلق عليه لقب «مهندس الخط العربى» وهو الذى شهد الخط العربى على يديه نقلة كبيرة، فقد وصلت أنواع الخطوط قبله إلى عشرين نوعاً اختصرها هو إلى ستة أنواع فقط، كما كان لمعرفته بعلم الهندسة فضل كبير فى وضع القواعد الأساسية لفن الخط، وقد كتب المصحف مرتين بخط يده، وعندما غضب عليه الخليفة الراضى أمر بقطع يده اليمنى إلا أنه ربط بها قلماً ليواصل جهوده فى تجويد الخط وتطويره، وجاء بعده ابن البواب الذى كان يجيد أيضاً فنون الزخرفة ويوجد مصحف بخطه فى مكتبة جستر بيتى فى دبلن بإيرلندا، أما النقلة الثالثة الكبرى فكانت على يد ياقوت المستعصمى الذى كتب ألف مصحف وبلغ الخط على يديه أوج جماله وروعته، كما أنه اكتشف طريقة جديدة لصنع ريشة الكتابة عن طريق بريها بشكل مائل، وكانت له طريقة معروفة باسمه (طريقة ياقوت) كما أسهم فى تطوير الخط الكوفى الذى يعد فى نظر كثير من الباحثين أصل الخطوط العربية، كما أنه يحلو لكثير من الخطاطين استخدامه فى الزخرفة والزينة لأن مجال الابتكار فيه واسع، كما شاع خط النسخ فى كتابة المصحف الشريف ويذكر الباحثون أنه سمى كذلك لاستخدامه فى نسخ القرآن الكريم. وبجانب مدرسة بغداد ظهرت المدرسة المصرية فى إجادة كتابة الخط العربى وذلك منذ عهد الدولة الطولونية وبدأت مرحلة المنافسة مع مدرسة بغداد فى العصر الفاطمى حتى بلغت مرتبة الصدارة فى حمل لواء الخط العربى فى العصر المملوكى. كما أن الأمم الإسلامية غير العربية اهتمت هى الأخرى بتجويد فن الخط العربى وكتابة المصحف الشريف فظهر الخطاطون المهرة واهتم بهم السلاطين الغزنويون والسلاجقة والتيموريون، كما اخترع الفرس خط التعليق حتى جاء الخطاط الفارسى «مير على» ليطوره ويدخل عليه بعض قواعد خط النسخ ليصبح اسمه (النستعليق) وهو ما أطلق عليه فيما بعد (الخط الفارسى). وانتشر الخط الكوفى المغربى فى شمال وغرب ووسط إفريقيا والأندلس، وظهر خط القيروان فى الأندلس وبعد أن أصبحت اسطنبول عاصمة الخلافة الإسلامية حملت تركيا لواء رعاية الخط العربى ، فتم اختراع خطوط جديدة مثل الديوانى والرقعة والطغراء والهمايونى، وخط الغبار وهو حروف متناهية الصغر وشديدة الدقة أقرب لخط النسخ استخدمت فى كتابة المصاحف الصغيرة التى تحفظ فى علب ذهبية أو فضية، وفى اسطنبول أنشئت أول مدرسة لتعليم الخط والنقش والتذهيب عام 1326ه وتفوق الأتراك فى رعاية الخط العربى حتى عام 1923 حينما أمر أتاتورك باستبدال الحرف اللاتينى بالحرف العربى.