في منأي عن الأضواء والصخب الاعلامي, يرقد الشاعر السوداني العربي الافريقي الكبير محمد الفيتوري علي فراش المرض( شفاه الله) في بيته في سيدي العابد علي المحيط الأطلنطي قرب العاصمة المغربية الرباط, بعيدا عن أوطانه الثلاث, السودان الذي ولد فيه بداية الثلاثينيات, ومصر التي نشأ بها وحفظ القرآن ودرس في أزهرها, وليبيا التي عمل ممثلا دبلوماسيا لها في عدة عواصم عربية. لكن عزاءه أنه لا زال في افريقيا التي سيطرت علي وجدانه وقلبه وعقله وكانت مداد شعره علي مدي أكثر من خمسين عاما. وفي خضم أحداث الربيع العربي وانشغال الاعلام بالسياسة عنه وأخرين أمثاله من الشعراء والأدباء يعيش الفيتوري نصف مشلول عقب اصابته بجلطة دماغية نتج عنها توقف يده اليمني عن الكتابة ليصبح بلا مورد يجتر أحزانه, ويعاني ألامه في صمت. ومن أبرز أعمال الفيتوري التي تغني فيها للقارة السمراء وعبر فيها عن أزمة العلاقة بين الأفريقي الأسمر والمحتل الأبيض, دواوينه الشعرية:' أغاني إفريقيا' و'عاشق من إفريقيا' و'اذكريني ياإفريقيا' و'أحزان إفريقيا'. ويحكي شاعر أفريقيا عن تجربة عمله بالصحافة قائلا:' لقد عملت في الصحافة المصرية تحت رئاسة الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل, وكامل الشناوي, وفي ظل الكاتب العظيم سيد قطب, كما عملت في الصحافة السودانية كرئيس تحرير لعدد من الصحف, كما عملت في جامعة الدول العربية خبيرا إعلاميا. وعن بعده عن السودان وتأثيره عليه يقول الفيتوري'ربما اثر إيجابيا لأنه اتاح لي الفرصة للتعرف إلي شعوب وثقافات وقيم أخري واتصل بشعراء اخرين, وأقرأ كتبا, فعندما خرجت من السودان وتنقلت بين البلاد أصبحت قصائدي تتجه اكثر نحو الموضوع والتجربة, لذلك لم تكن قصيدتي منفي, فأنا دائما اشعر بالانتماء إلي كل ارض عربية أعيش عليها'. وعندما سئل عن تفسيره لاستفاضة وكثرة الكتابات عن' الجسد' رغم ثراء المنطقة العربية بالأحداث والقضايا الأكثر أهمية, كان الفيتوري يقول:' من حق أي كاتب أن يري الحياة عيونا زرقاء, وصفراء, وحمراء, أو لا يراها علي الإطلاق, وان يكتب ما يشاء, لكن عند لحظة بعينها يجب أن نتجه جميعا اتجاها واحدا مثلما آمنا يوما ما بالله ونؤمن بالوطن والحرية والديمقراطية والعدالة, ونؤمن بضرورة تخلص هذا الواقع العربي من التخلف والرداءة'.