هو حمدون بن أحمد بن عُمارة، أبو صالح، القصار، النيسابورى من أهل نيسابور. عنه يقول الدكتور يحيي أبو المعاطي العباسي أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة: كان حمدون من العلماء الورعين، أما ما يدل على علمه بدقائق الورع: فهذا ما يشير إليه القشيرى وغيره من أنه مات صديق له وهو عند رأسه، فلما مات أطفأ حمدون السراج، فقالوا له: فى مثل هذا الوقت يزداد فى السراج الدهن، فقال لهم: إلى هذا الوقت كان الدهن له، ومن هذا الوقت صار الدهن للورثة. كان حمدون يتصف بصفات العلماء الربانيين من حلمهم وكظمهم لغيظهم إذا قدم إليهم أحد من الناس إساءة، قال عبد الله بن منازل: تسفه عليه رجل فسكت حمدون، وقال : يا أخى لو نقصتنى كل نقص لم تنقصنى كنقصى عندى، ثم قال: تسفه رجل على إسحاق الحنظلى فاحتمله وقال: لأى شىء تعلمنا العلم. يصل أقوال جميع المؤرخين فيه أنه شيخ مذهب الملامتية وإمامهم وأستاذهم وقدوتهم، ومؤسس طريقتهم . والملامتية يسمون أحياناً : القصارية، أو القصاريون، أو الحمدونية نسبة إلى حمدون القصار. يرى الملامتى أن معاملته مع الله سر بينه وبين ربه لا يصح أن يطلع عليه غيره، فهو حريص على كتمان ذلك السر، غيور على محبوبه أن يطلع الخلق على صلته به، فهو يظهر للخلق بآداب العبودية ويحفظ سره مع الله. بل إن الملامتية خوفاً من أن تنكشف أحوالهم وأسرارهم التى يضنون بها على الخلق، وخشية من أن يتسرب الغرور إلى نفوسهم إذا ظهروا للناس بما يوجب مدحهم تعمدوا فعل ما يجلب عليهم من الخلق السخط والازدراء ويرسل ألسنتهم بالذم والتأنيب وهذا هو لوم الناس إياهم، ويشير إلى هذا المعنى قول بعضهم ( وأهل الملامة أظهروا للخلق ما يليق بهم من أنواع المعاملات والأخلاق وما هو من نتائج الطبع، وصانوا ما للحق عندهم من ودائعه المكنونة). وإلى ملامة النفس وملامة الغير تشير عبارة أبى حفص: (أهل الملامة قوم قاموا مع الحق تعالى على حفظ أوقاتهم ومراعاة أسرارهم فلاموا أنفسهم على جميع ما أظهروا من أنواع القرب والعبادات، وأظهروا للخلق قبائح ما هم فيه، وكتموا عنهم محاسنهم فلامهم الخلق على ظواهرهم، ولاموا أنفسهم على ما يعرفونه من بواطنهم). على أن الملامتية أجمع لهم فكر خاص بالنفس، إنهم يتهمون النفس دائماً وأبداً، ويعملون على ازدرائها واحتقارها وجلب اللوم والخصومة لها. إنهم لا يتذكرون منها إلا مساوئها وعيوبها ونقصانها ومثالبها، إنهم لا ينظرون إليها إلا من الجانب السلببى المظلم لها، إنهم لا ينظرون إليها إلا من خلال منظار أسود قاتم لا يُرى منه إلا كل شر وقبيح. وعلى هذا الأساس بنوا مذهبهم، وأسسوا طريقتهم، يقول شيخ المذهب حمدون: ( ما دمت لا تعرف عيب نفسك فأنت محجوب). يقول حمدون: للخلق فى يوسف عليه السلام آيات، وليوسف فى نفسه آية وهى أعظم الآيات: معرفته بمكر النفس وخداعها حين قال: إن النفس لأمارة بالسوء. وما يقصده حمدون هو النظر فى هواتف الغيرة والحقد والحسد والمؤامرة والمناورة التى وقعت من إخوة يوسف لأخيهم عليه السلام، ومن أجل تلك النظرة البائسة المتشائمة إلى النفس بنى حمدون مذهبه على أساسين: أولاهما: مقاومة النفس فى كل ما يصدر عنها من أفعال وما يخطر بها من خواطر. وثانيهما: إخفاء المظاهر التى تنم عن الحياة الروحية، وبخاصة منها ما يشير إلى الصلة بين العبد وربه. وفى كلا الأصلين يعمل حمدون على مخالفة النفس ومعارضتها ومقاومتها.