الحسن بن يسار، يلقب بالبصري، ويُدعى تارة: بابن أبى الحسن . وأبوه: يسار ، كان مولىً لزيد بن ثابت فى أحد الأقوال. وأمه: خَيْرَة ، كانت مولاة لأم سلمة أم المؤمنين رضى الله عنها. ويوضح الدكتور يحيى أبو المعاطى العباسى أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة القاهرة أن الحسن ولد لسنتين بقِيَتا من خلافة عمر بن الخطاب رحمه الله. وكانت أم سلمة عندما تحتاج إلى شيء تبعث إليه أم الحسن، ويبقى الولد عند أم سلمة رضى الله عنها، فيبكى وهو طفل، فتسكته أم سلمة بثدييها، وتخرجه إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وكانت أمه منقطعة لخدمة أم سلمة ، فكان الصحابة إذا أُخرج إليهم الحسن رضى الله عنهم يدعون له، فقيل: إنه أُخرج لعمر رضى الله عنه، فدعا له، وقال: [اللهم فقهه فى الدين، وحببه إلى الناس]. وعن علقمة بن مرثد قال: «انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، فمنهم: الحسن بن أبى الحسن، فما رأينا أحداً من الناس كان أطول حزناً منه، ما كنا نراه إلا أنه حديث عهد بمصيبة». قال الحسن : [نضحك ولا ندرى لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا، فقال: لا أقبل منكم شيئاً]. كان مشهوراً جداً بالمواعظ، وكانت مواعظه مؤثرة، لأن العبارات رقيقة تخرج من القلب، وعلى رسم الكتاب والسنة، [ويحك يابن آدم! هل لك بمحاربة الله طاقة، إنه من عصى الله فقد حاربه، واللهِ لقد أدركت سبعين بدرياً، أكثرُ لباسهم الصوف -أي: من زهدهم فى الدنيا لا يجدون ولا يحرصون على التنعم- ولو رأيتموهم لقلتم: مجانين، ولو رأوا خياركم لقالوا: ما لهؤلاء من خلاق، ولو رأوا شراركم لقالوا: ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب، ولقد رأيتُ أقواماً كانت الدنيا أهون على أحدهم من التراب تحت قدميه. وعن خالد بن صفوان، قال: لما لقيت مسلمة بن عبد الملك بالحيرة، قال: يا خالد! أخبرنى عن حسن أهل البصرة، قلت: أصلح الله الأمير، أخبرك عنه بعلم، أنا جاره إلى جنبه، وجليسه فى مجلسه، وأعلم مَن قِبَلى به: أشبه الناس سريرةً بعلانية هذا أولاً، السريرة تطابق العلانية؛ لا رياء، ولا نفاق، ولا كذب، ولا تصنع، ولا مجاملات. - وأشبه قولاً بفعل. قوله يشبه فعله، لا يأمر الناس بالبر وينسى نفسه، قوله وفعله مستويان متطابقان. - إن قعد على أمر قام عليه، وإن قام على أمر قعد عليه. - وإن أمر بأمر كان أعْمَلَ الناس به، وإن نهى عن شيء كان أَتْرَكَ الناس له. - رأيته مستغنياً عن الناس، ورأيت الناس محتاجين إليه. قال: حسبك يا خالد! كيف يضل قومٌ هذا فيهم؟! وفى سير أعلام النبلاء يقول الذهبي: «كان الحسن سيد أهل زمانه علماً وعملاً». وقال عنه ابن كثير: «الإمام الفقيه المشهور، أحد التابعين الكبار الأجلاء علماً وعملاً وإخلاصاً». وعن أبى قتادة، قال: «الزموا هذا الشيخ - أي:الحسن - فما رأيت أحداً أشبه رأياً بعمر منه». يعني: من رجاحة عقل الحسن شبه رأيه برأى عمر. ويقال: إن أنس بن مالك، قال: [سلوا الحسن فإنه حَفِظَ ونسينا]. وهو الصحابي! وقال مطر الوراق: «لما ظهر فينا الحسن جاء كأنما كان فى الآخرة». فهو يخبر عما عايَن. كأنه واحد كان فى الآخرة، كان فى القبر ورأى البرزخ ورأى الموت والجنة والنار، والبعث والميزان والصراط، فهو يخبر الناس عما رآه هناك. فهذا يكون من شدة تمثله. لما حضرته الوفاة جعل يسترجع - يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون- فقام إليه ابنه، وقال: يا أبتي! قد غممتنا، فهل رأيت شيئاً؟! قال: [هى نفسي، لَمْ أُصَبْ بمثلها]. ويُروى أنه أغمى عليه ثم أفاق إفاقة فقال: [لقد نبَّهتمونى من جنات وعيون، ومقام كريم]. وقال رجل قبل موت الحسن لابن سيرين -وابن سيرين كان مشهوراً بتعبير الرؤى والأحلام-: رأيتُ كأن طائراً أخذ أحسن حصاة بالمسجد؟ فقال ابن سيرين: إن صدقت رؤياك مات الحسن. أي: هو أحسن من عندنا فى المسجد، فلم يكن إلا قليل حتى مات الحسن، ووقع تفسير وتأويل الرؤيا. وكانت وفاة الحسن رضى الله عنه ليلة الجمعة، فى أول رجب سنة (110ه). وقد عاش نحواً من 88) سنة، عمراً مباركاً فى طاعة الله.