لأن الفصل بين الخصومات يترتب عليه أحكام ومواقف، وضعت له ضوابط من أهمها إعطاء الفرصة للمتخاصمين على قدم المساواة، ليقول كل واحد منهما ما عنده، وبعدها يكون الفصل. «اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ». يقول الدكتور أبو اليزيد العجمى أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم: إن الآيات هنا تحكى قصة الخصمين اللذين دخلا على داود عليه السلام وقص عليه أحدهما قصة، تعجل داود فحكم بما تأثر به، وجاء القرآن ليحكى لنا هذه القصة لنتعلم أدب القضاء. ومن الدروس التربوية: أولا: يطلب من النبى محمد صلى الله عليه وسلم أن يتذكر هذا العبد الصالح داود عليه السلام، وقد وصفه القرآن بأنه قوى وأواب عابد، وقد منحه الله أن يفهم تسبيح الجبال، وكانت تسبح معه بالعشى والإشراق، وكذلك تسبح معه الطيور، وقد أعطاه الله ملكا كبيرا وقيا ممتنعا على الأعداء. وكل هذه النعم تظهر مكانة داود عليه السلام، لكن الذى يمهد لواقعة الفصل بين الخصمين، قوله تعالى (وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب). والحكمة وفصل الخطاب أمران لازمان للقضاء، وتلك رسالة إلى كل من يلى قضاء بين الناس أن يحوز الحكمة بالعلم، وأن يتعلم كيف يعبر عن الحكم بدقة وأمانة. ثانيا: إن سلوك طريق غير الطريق الرئيسى على القاضى يحدث مفاجأة قد تؤثر على دقة القاضى وحكمته، وقد فزع داود عليه السلام حين رأى شخصين أتياه من السور، واقتحما محرابه، وقد أحس الخصمان بالفزع الذى حدث لداود فطمأناه وقالا نحن خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا سواء الصراط. ثالثا: التعجل فى الحكم قبل سماع كل الأطراف يقدح فى عدالة الحكم . رابعا: من يدرك ما وقع فيه من بعد عن أصول التقاضى عليه أن يستغفر الله وأن يتوب ويندم على هذا الذى وقع منه، وإن كان عن غير قصد، فهو فى كل الأحوال فتنة، والله يقبل توبة التائب، ويجعل له مكانة عظيمة لتوبته وصدقه. خامسا: الرسل والقضاة ومن على منوالهم، خلفاء لله فى الأرض،استخلفهم فيها ليأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ومن أبرز هذا الحكم بالعدل بين الناس فالظلم ظلمات يوم القيامة،والظلم مؤذن بخراب العمران.