تعد التكنولوجيا من أهم أبعاد الحرب التجارية الدائرة حاليا بين الولاياتالمتحدةوالصين، وهو ما كشفت عنه سلسلة الإجراءات التى اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب مؤخرا ضد كبرى شركات الاتصالات الصينية العاملة فى السوق الأمريكية بدعوى «التجسس» لصالح بكين، فى حين أن الأمر لا يخرج عن كونه محاولة لعرقلة المنافس الأكبر فى عالم التكنولوجيا والاتصالات. فقد أكد ترامب من قبل أن «سباق تكنولوجيا الجيل الخامس هو السباق الذى يجب أن تفوز به أمريكا»، وبرر ذلك بأن «صناعة الاتصالات اللاسلكية ستستثمر 275 مليار دولار أمريكى لبناء شبكات الجيل الخامس، وخلق 3 ملايين فرصة عمل وإضافة 500 مليار دولار إلى الاقتصاد». وعلى طريق محاولة تحقيق الفوز بالسباق، اتخذت إدارة ترامب سلسلة إجراءات لتقييد عمل شركات التكنولوجيا الصينية فى الولاياتالمتحدة من أمثال: «هواوي» و«تشاينا موبايل» و«زد تى إي» باعتبارها تمثل تهديدا للأمن القومى الأمريكى، وسط مخاوف من سيطرتها على البنية التحتية للاتصالات والإنترنت. وكانت وزارة العدل الأمريكية قد وجهت 13 اتهاما إلى مينج وانتشو ابنة مؤسس شركة «هواوي» الصينية ومديرتها المالية، إلى جانب 3 شركات تابعة لها، وجميعها تتعلق بانتهاك العقوبات المفروضة على إيران. وفى إطار التحقيقات الأمريكية، حظرت الولاياتالمتحدة على الشركات الأمريكية بيع مكونات أو برامج الكمبيوتر إلى شركة «زد تى إي» الصينية أيضا لمدة 7 سنوات، متهمة الشركة بانتهاك اتفاقية بشأن معاقبة الموظفين، بعد أن شحنت بضائع أمريكية إلى إيران بطريقة غير مشروعة. كما تم منع العاملين فى القواعد العسكرية الأمريكية من شراء هواتف وأجهزة أخرى تصنعها شركتا «هواوي» و«زد تى إي»، بعد تأكيد وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» أنهما تمثلان تهديدا أمنيا. وفى أحدث خطوات الإدارة الأمريكية، أعلنت وزارة التجارة إضافة «هواوي» و70 شركة تابعة لها إلى قائمتها السوداء، والتى تمنع الشركة من الحصول على مكونات وتكنولوجيا من شركات أمريكية بدون موافقة الحكومة، ذلك بموجب حالة الطوارئ الوطنية لحماية شبكات الاتصالات، التى أعلنها الرئيس ترامب، إلى جانب قطع شركة جوجل الأمريكية خدماتها عن هواتف هواوى وأجهزتها. ولم تقف خطوات إدارة ترامب عند حدود أراضيها، بل شنت حملة ضغط دولية على حلفائها لمنع «هواوي» من المشاركة فى بناء شبكات الجيل الخامس فيها أو استخدام معداتها، مهددة بخفض مستوى تبادل المعلومات مع الدول التى تستخدم ما وصفته ب«شركات غير معتمد عليها» ضمن خططها للوصول إلى التكنولوجيا الجديدة، وهو ما لاقى قبولا بالفعل لدى حكومات أستراليا ونيوزيلندا واليابان، فى الوقت الذى تدرس فيه دول أخرى فرض قيود على استخدام منتجات الشركة. وردا على الإجراءات الأمريكية تجاه شركاتها، قامت الصين بالقبض على 13كنديا بتهم تجسس، فى الوقت الذى استدعت فيه السفير الأمريكى لديها ديسمبر الماضى وسلمته «احتجاجا قويا» بشأن احتجاز وانتشو. كما استغلت بكين خلافا حول براءات الاختراع بين شركتى «آبل» و«كوالكوم» الأمريكيتين، وأصدرت محكمة صينية حكما بحظر بيع بعض أجهزة هواتف آيفون. من جهتهم، أكد المسئولون فى «هواوي» و«تشاينا موبايل» أن الشركتين ستندفعان نحو تطوير واستخدام شبكة الجيل الخامس سريعا دون النظر إلى أى تحديات، موضحين أن الولاياتالمتحدة ستخسر السباق رغم محاولات حظرهما فى جميع أنحاء العالم. فبعد معركة الرسوم الجمركية التى أشعلتها إدارة ترامب مع الصين، والتى ألقت بظلالها الوخيمة على حركة التجارة العالمية، تتواجه واشنطنوبكين الآن فى معركة «هواوي» والجيل الخامس. وبغض النظر عن شراسة المواجهة الراهنة بين الخصمين اللدودين، إلا أن ذلك لن يعنى إمكانية توصلهما إلى تسوية حول مشاركة أو تقاسم جوائز سباق تكنولوجيا الجيل الخامس مستقبلا.