المسألة تحولت من قفزة تكنولوجية يفترض أن العالم ينتظرها بفارغ الصبر، إلى أزمة دبلوماسية وصداع أمنى ودعاوى قضائية. ومن فرط الصخب، فات كثيرين معرفة إجابة لسؤال الساعة: ما هى تقنية «الجيل ال 5» أو ال « 5 جي»؟ وما مدى خطورتها حتى تحذر أمريكا حلفاءها الأوربيين من التعاون مع عملاق الاتصالات الصينى «هواوي» فى تشييدها؟ وهل يمكن أن تحل مبادرات مثل عرض «هواوي» توقيع اتفاقيات «نزاهة» أزمات الشبكة المنتظرة؟ مبدئيا، ال « 5 جي» يعتبر مستقبل الإنترنت، ومستقبل مفهوم «البنية التحتية»معا. فالتقنية الجديدة ستكون المشغل الجديد لخدمات الإنترنت وبسرعة فائقة إعجازية. كما يتوقع أن ترتبط بأغلب قطاعات الحياة المعاصرة ما بين الخدمات الطبية بالمستشفيات والكهرباء والمواصلات، والصرف الصحى وغيرهم. باختصار، سيكون ال « 5 جي» جزءا أساسيا من منظومة البنية التحتية بكل الدول التى انضمت للعقيدة التكنولوجية الجديدة. ويتوقع أن يكون هناك طفرة « متكاملة»، لتحقيق ما يعرف ب«إنترنت الأشياء». لتصبح مثالية لتشغيل السيارات ذاتية القيادة، وإجراء العمليات الجراحية عن بعد، وحتى إعطاء الأوامر للأجهزة المنزلية للعمل عن بعد. يبدو أن الأمر كله خير. لكن المشكلة أن التقنية الجديدة تنقلب على مبدأ «النواة» أو مركز تخزين المعلومات التكنولوجية بأنظمة تشغيل الإنترنت السابقة. فيتم توزيع المعلومات ما بين «النواة» ومراكز فرعية، يحقق ذلك للشبكة الجديدة سرعتها الفائقة، لكنه أيضا يجعل اختراقها أيسر. وبذلك يمكن ضرب كافة القطاعات التى تستخدمه ب «حجر واحد صغير». والتداعيات لا يعرف مداها أحد. لكن أمريكا تبدو أكبر القلقين، والسبب ليس سمات الشبكة نفسها، بقدر هوية القائم على تنفيذها. وفقا للتقارير، فإن للصين شركتين، إحداهما «هواوي»، بين الشركات الخمسة التى تمتلك خبرة رائدة فى إعداد شبكات الجيل الجديد دوليا. وهو ما يدفع أمريكا للقلق من أن تكون «بابا خلفيا» تستغله الصين للتجسس ونقل المعلومات. والاشتباه فى «هواوي» له أسبابه، منها التشكك الاقتصادى والتجارى فى الصين، والتى تتعرض لاتهامات بالسرقة التكنولوجية والتلاعب بحقوق الملكية الفكرية، وخلافه. ومنها أيضا الصلات الوثيقة لمؤسس «هواوي» رين تشنجفاى بالحزب الشيوعى الصيني، وعمله كخبير تقنى سابق بجيش الصين. وهو ما دفع أمريكا لتحذير حلفائها المتعاونين مع «هواوي» فى تشييد ال «5 جي» من إمكانية وقف التعاون المخابراتى أمثال ألمانياوبريطانيا، اللتين لا تستبعدان التعاون مع الشركة الصينية، بما قد يفتت مجموعة «الأعين الخمسة» المخابراتية، التى تضم أمريكاوبريطانياوكندا ونيوزيلاندا واستراليا. وما يدعم أمريكا قرارات دول مثل استراليا ونيوزيلاندا بحظر مشاركة «هواوي» فى تشييد منظومتها لل «5 جي». لكن الحقيقة أن حكومات الغرب تعانى أزمة أكبر بسبب الجدل والشكوك الدائرة حول الشركة الصينية. ففى كندا، أقالت أوتاوا سفيرها فى الصين جون مكالوم، الذى أكد علنا حق مديرة «هواوي» المالية المعتقلة فى الطعن بعدم قانونية ترحيلها إلى أمريكا. وفى بريطانيا، أطاحت رئيسة الوزراء تيريزا ماى بوزير دفاعها جافين ويليامسون بدعوى تسريبه معلومات حول مباحثات إشراك « هواوي» من عدمها فى تشييد ال «5 جي» البريطانية. ولم يكن هناك تردد فى الإطاحة بأحد مسئولى وزارة الاتصالات الأمريكية عندما تجرأ وجاهر بمعارضته لتضييق ترامب الخناق حول هواوي. من جانبها، تنوعت دفاعات «هواوي»، من رفع دعوى قضائية للطعن فى دستورية الحظر الذى فرضته واشنطن على استعانة الوكالات الحكومية بمنتجات الشركة، وكذلك عرضها توقيع اتفاقيات «نزاهة» مع الدول المتعاونة تقر بتأمين معداتها وفقا لأقصى معايير التجسس والاختراق، حتى يطمئن الشركاء. والجعبة لم تخل من نشر إعلان على صفحة كاملة بال « وول ستريت جورنال» مارس الماضى موجه للإعلاميين الأمريكيين بعنوان « لاتصدق كل ما تسمع، تعالى والتقى بنا». ولكن لا يبدو أن كثيرين داخل أمريكا سيستجيبون للنداء الصيني.