الدكتور عزيز صدقى، رجل من ذهب ، اشتهر بعبقريته وأنه أبو الصناعة المصرية ، حيث لعب دورا رئيسيا فى تأسيس القاعدة الصناعية فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر ، رافضاً أن تظل مصر بلداً زراعياً ، مؤمنا بأن التحول لبلد صناعى أمر حتمى لتصبح تجربته فى وضع قواعد القلعة الصناعية المصرية تجربة رائدة . بدأت رحلته منذ نشأته فى مدينة القاهرة عام 1920 ثم تخرجه فى كلية الهندسة قسم العمارة عام 1944 جامعة القاهرة ، إلى أن حصل من جامعة هارفارد الأمريكية 1950 على الدكتوراة فى التخطيط الإقليمى والتصنيع ، فعين مدرسا بكلية الهندسة جامعة القاهرة عام 1951، وفى عام 1953 عين مستشارا فنياً لرئيس الوزراء ومديرا عاما لمشروع مديرية التحرير الذى يعد من مؤسسيه . وطيلة ثلاث سنوات ومنذ اختياره مستشاراً لرئيس الوزراء ، وحماسه وإخلاصه فى عمله ومساهماته فى طرح رؤى التخطيط أهلته ليختاره الرئيس جمال عبد الناصر لتولى منصب أول وزير صناعة مصرى عام 1956 وعمره وقتها 36 عاماً وفى عهده تم تخصيص مبلغ 12 مليون جنيه كأول ميزانية إجمالية للتصنيع فى مصر ، لتشهد الصناعة المصرية فى عهده طفرة تأسيسية مهمة تمثلت فى إدخال صناعات لأول مرة ، وتشييد مئات المصانع بهدف الوصول لبناء ألف مصنع ، كما عمل على التوسع فى الصناعات الحيوية منها الحديد والصلب والصناعات الغذائية والهندسية وغيرها لتأمين احتياجات البلاد ،وتحقيق الاستقلال الاقتصادي. وكان اول من وضع قانون تنظيم لحماية المستهلك وأعطى الدولة وقت توليه وزارة الصناعة حق التسعير، حتى لا يستغل صاحب المصنع احتياج السوق لمنتجه فيرفع السعر ، وعمل على نصرة العمال وتحسين ظروف حياتهم . وتوالت المناصب التى شغلها صدقي، حيث اصبح نائبا لرئيس الوزراء للصناعة والثروة المعدنية 1964 ، ومستشارا لرئيس الجمهورية لشئون الإنتاج 1966، ووزيراً للصناعة والثروة المعدنية عام 1968، وأصبح عضوا بمجلس الأمة عام1969 وعضوا بالمجلس الأعلى للدفاع المدنى عام 1970. و فى مارس 1972 عينه الرئيس محمد أنور السادات رئيسا للوزراء ، لكنه لم يستمر فى منصبه كثيراً وقدم استقالته فى مارس 1973 ، ليعين بعد ذلك مساعداً لرئيس الجمهورية فى نفس العام ، خاصة أن لعزيز صدقى دورا كبيرا فى تحقيق النصر فى حرب أكتوبر 1973 بتوفير احتياجات البلاد والجيش من السلع وتوفير مخزون استراتيجى يكفى البلاد لمدة 4 أشهر من مختلف المنتجات دون انتظار الدعم من أحد. وكانت مميزات وتاريخ عزيز صدقى تؤهله لتولى أكبر المناصب مع كل رئيس يتولى البلاد وهو ما حدث فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك والذى رشحه لتولى رئاسة الوزراء عام 1982 لكنه رفض المنصب ، وفضل البعد عن الحياة السياسية ، ورغم ذلك كان له دور معارض واضح لخصخصة المصانع وهدم ما بناه من مصانع ، وأعلن أن مصر فى خطر ، ورأى أن المستفيد منها هم المسئولون الفاسدون ، وظهر نجمه مرة أخرى فى عام 2005 عندما قاد جبهة «التجمع الوطنى للتحول الديمقراطي» ضد الفساد والفاسدين فى عهد مبارك . ورغم كل المناصب التى تقلدها فقد الدكتور عزيز ثروته تدريجياً لأن مرتبه كوزير لم يكن يكفى لمنحه حياة كريمة ولأنه نظيف اليد باع أملاكه تدريجيا على مدار سنوات ليؤمن لنفسه وأبنائه حياة كريمة ، وظل يعيش فى شقته بالإيجار، ولم يكن هذا الأمر يعنيه فى شيء لأنه على قناعه بأنه خدم بلاده وأنها ستكرمه على ما قدمه لها طوال حياته. وتأتى النهاية ليرحل عن عالمنا الدكتور عزيز صدقى فى يوم الجمعة الموافق 25 يناير2008 عن عمر يناهز 88 عاما.