فى الوقت الذى تنهب فيه خيرات وثروات إفريقيا من قبل القوى الاستعمارية وباقى القوى الغربية وغير الغربية التى حولت بوصلة مصالحها تجاه هذه القارة الغنية بتنوع مواردها، لايزال الشباب الافريقى يبحث عن فرصة للعيش خارج قارته، وغالبا ما تكون تلك الفرصة محفوفة بالمخاطر ومهددة بشبح الموت. ففى حادث مأساوى هو الأعنف من حيث عدد الضحايا الأجانب فى المغرب، لقى 18 مهاجرا سريا من إفريقيا جنوب الصحراء مصرعهم، الاسبوع الماضي، فى حادث السيارة التى كانت تقلهم نحو احد القوارب المتجهة الى اسبانيا. وكأن الموت هو قدر المهاجرين غير الشرعيين، فإن لم يكن غرقا فى البحر، فهو قتل على الطرقات، التى طالما حملت وتحمل الكثير من المخاطر والانتهاكات، وكل ذلك فى سبيل تحقيق حلم الوصول الى الجنة الموعودة، والتى لا يعلمون انها لم تعد جنة ولم تعد موعودة. فأوروبا بعد ان استوفت ما كانت تحتاجه من يد عاملة بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية وما بعدها من مرحلة اعادة البناء، فهى اليوم تبذل أقصى جهدها لإقفال منافذها البحرية فى وجه الوافدين الجدد، وإن تطلب الامر تركهم، فى عرض البحر، دون مساعدات إنسانية ليلقوا قدرهم المحتوم. وقد ذكرت المنظمة الدولية للهجرة ان عدد المهاجرين السريين الذين لقوا حتفهم غرقا فى البحر الأبيض المتوسط، او من هم فى عداد المفقودين خلال محاولات للهجرة السرية انطلاقا من السواحل الشمالية المغربية الى اسبانيا، قد بلغ 132 شخصا خلال الثلاثة أشهر الأولى من السنة الجارية. بينما ذكر المرصد الوطنى للهجرة، وهو تابع لوزارة الداخلية المغربية، بأن السلطات المغربية قامت، خلال سنة 2018، بإحباط ما مجموعه 88 ألفا و761 محاولة للهجرة غير الشرعية، منها 70 ألفا و571 لمواطنى بلدان أخري، وتم تفكيك 229 شبكة تهريب خلال 2018، موضحا أن 80 فى المئة من المهاجرين الموقوفين هم من الأجانب، كما تم إنقاذ 29 ألفا و715 مهاجرا فى عرض البحر، فى حين اختار 5608 مهاجرين العودة الطوعية إلى بلدانهم الأصلية. أرقام كبيرة وصادمة تعكس مستوى الضغط على المنفذ الغربى للبحر المتوسط بعد تراجع عدد الوافدين عبر المعبر الوسطى عبر بوابة ليبيا، والأسباب عديدة منها اولا، اعتقاد المهاجرين الأفارقة ان الطريق المغربية-الاسبانية أكثر امانا من الطريق الليبية-الايطالية، خاصة بعد الصرامة الكبيرة التى أبدتها الحكومة الايطالية الجديدة فى التعامل مع قضية الهجرة غير الشرعية التى عرضتها لكثير من الانتقادات الحقوقية. ثانيا، عدم وجود نظام للتأشيرة بين المغرب وبعض دول إفريقيا جنوب الصحراء. ثالثا، وجود مافيا تهريب البشر تعمل على تقديم عروض للهجرة إلى أوروبا، وهى لا تستقر وتنشط فى بلدان المنشأ فقط، بل بشكل رئيس فى بلدان العبور الحدودية لأوروبا، وضمنها المغرب. وقد أدت عمليات الهجرة غير المشروعة هذه إلى تفشى آفة عنف إضافية فى المغرب عبر استغلال الراغبين بالوصول إلى الشواطئ الأوروبية سواء من الافارقة، والمغاربة أيضا وأخطرها جريمة الاتجار بالبشر التى أعادها الى الواجهة إعلان الشرطة الإسبانية، أواخر يونيو المنصرم، تفكيك عصابتين لتهريب القاصرين من المغرب. فعلى الرغم من كون المغرب من الدول التى صادقت على الاتفاقية الدولية المتعلقة بحظر الاتجار بالبشر، الا أن هذا النوع من الجرائم لايزال قائما على ترابه، بسبب تعرض بعض المرشحين للهجرة السرية لبعض اشكال الاستغلال وانتهاك حقوقهم الأساسية ليس تقصيرا من الدولة التى تبنت مقاربة شاملة لمواجهة الهجرة السرية، وأحدثت هياكل متخصصة بهدف الحد منها بما يضمن التوازن بين الردع والأمن واحترام حقوق المهاجرين، ووضعت تقنين للمخالفات والجرائم المرتبطة بها وتحديد عقوبات صارمة للمتورطين فيها، ناهيك عن التشريعات الداخلية التى تنص على الجنح والجرائم ذات الصلة بالاتجار فى البشر. لكن ورغم كل هذه الجهود فإن جرائم الاتجار بالبشر لاتزال تنشط بقوة داخل المملكة نظرا لموقعها الاستراتيجى الذى يجذب شبكات تهريب البشر ذات امتدادات قارية، وربما هذا ما دفع السلطات المغربية الى فرض قيود على بعض الدول الإفريقية من أجل الدخول إلى المغرب، ومن بينها مالى وغينيا والكونغو والتى تنشط فيها هذه الشبكات. وفى النهاية، إذا كانت جريمة تهريب المهاجرين هى جريمة معقدة ودائمة التغير، بحيث لا يتعلق الأمر بتنظيمات إجرامية هيكلية فقط، وإنما أيضا بشبكات إجرامية عابرة للحدود، ما يجعل مهمة تفكيكها بالصعوبة بما كان، فإن أزمة الهجرة غير المشروعة هى أزمة تحتاج الى تكاتف الجهود الدولية والإقليمية من أجل مواجهتها عبر اعتماد مقاربات جديدة أولها الاستثمار فى تنمية إفريقيا وتوفير فرص عمل لأبنائها، بدل الاستمرار فقط فى استغلالها ونهب خيراتها. لمزيد من مقالات وفاء صندى