ربما لا يعرف الكثيرون أن المرأة كانت هى الشرارة الأولى التى أشعلت الحركات العمالية فى أوروبا والولاياتالمتحدة فى أواخر القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين. إنه لتاريخ طويل من نضال المرأة العاملة فى المطالبة بحقوق العمال فى تحسين ظروف العمل والأجور العادلة وتحديد أوقات العمل حيث عانت العاملات الفقيرات فى المصانع عقب الثورة الصناعية من طول ساعات العمل التى تمتد لأكثر من 14 ساعة يوميا فى ظل ظروف غير إنسانية لا تراعى سلامة العمال مقابل أجور زهيدة . ولم تقف النساء مكتوفات الأيدى تجاه هذه الأوضاع فانطلقن فى عدة حركات احتجاجية وإضرابات من أشهرها إضراب «فتيات أعواد الثقاب» فى أحد مصانع الكبريت بلندن عام 1888 ، وإضراب عاملات مصنع نسيج لورانس أو ما يعرف بإضراب « الخبز والورود» بولاية ماساتشوستس الأمريكية عام 1912 والذى أشعل بعد ذلك موجة احتجاجات واسعة شارك فيها أكثر من 20 ألف عامل فى مختلف أنحاء مدينة لورانس الأمريكية . ومازالت نساء العالم حتى اليوم ترفعن شعارات «الخبز والورود» فى الاحتفالات بيوم المرأة العالمى وأيضا خلال المسيرات التى تعم عواصم العالم خلال الاحتفال بيوم العمال الموافق الأول من مايو، أو فى الإثنين الأول من كل سبتمبروفقا لموعد الاحتفال بعيد العمال فى الولاياتالمتحدة و كندا. وبعد مسيرة طويلة من الكفاح حققت خلالها المرأة تقدما كبيرا فى مجال العمل حتى وصلت لأعلى المناصب القيادية من بينها منصب رئيس دولة ورئيس وزراء، مازالت المرأة فى مختلف أنحاء العالم ،حتى فى الدول المتقدمة ،تعانى التمييز الذى يتمثل فى اتساع الفجوة فى الأجور وفرص العمل بينها وبين الرجل فى مختلف المجالات. فوفقا لتقرير نشرته منظمة العمل الدولية بمناسبة اليوم العالمى للمرأة فى 8مارس الماضى ، لم تشهد الفجوات بين الجنسين فى ميدان العمل أى تحسن يذكر لمدة 20 عاما ، ولا تزال الفجوة فى الأجور بين الجنسين تبلغ 20 % فى المتوسط على الصعيد العالمى . وتعانى «الأمهات» العاملات أيضا من عدم المساواة فى أجورهن سواء مع الرجال أو مع نظرائهن من النساء غير الأمهات. كما لا تزال نسبة النساء اللاتى تشغلن مناصب عليا متدنية، فأقل من ثلث المديرين نساء، وإن كن على الأغلب أفضل تعليماً من نظرائهن الذكور. وفقا للتقرير ،فإن التعليم ليس السبب الرئيسى لتدنى معدلات عمل المرأة وانخفاض أجرها، بل إن المرأة لا تحصل على نفس المزايا التى يحصل عليها الرجل ذو المستوى التعليمى نفسه. الفجوة فى الأجور صارخة فى عدة دول أوروبية منها ألمانيا ، حيث يقل أجر المرأة فى المتوسط عن أجر الرجل بنسبة 21% ، وفقا لمكتب الإحصاء الاتحادى الألماني.وفى بريطانيا ، وصل متوسط الفجوة فى الأجور بين النساء والرجال إلى 17٫9% العام الماضي. وتسعى الشركات حاليا فى مختلف أنحاء العالم لرفع ذلك النوع من التمييز ضد المرأة العاملة خاصة وسط تأكيدات كبار الخبراء الدوليين أن تمكين المرأة فى مجال العمل بشكل أكثر عدالة يسهم فى تقوية الاقتصاد العالمي. فقد كشف معهد ماكنزى الدولى للدراسات الإدارية أن سد الفجوة بين الجنسين فى العمل من شأنه إضافة 28 تريليون دولار إلى الناتج المحلى الاجمالى العالمى أى ما يعادل حجم الاقتصاد الامريكى والصينى مجتمعين. وأوضح مجلس العلاقات الخارجية الامريكى أن كل من الدول المتقدمة و النامية سيستفيدان على حد سواء إذا ما تحققت المساواة بين الجنسين فى قوة العمل.