القمة الثانية ل«منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي» التى تعقد فى العاصمة الصينيةبكين فى الفترة من 25 الى 27 هذا الشهر، إبريل، 2019، تعد فرصة لمصر والدول العربية لتعظيم وتوسيع إطار مصالحها الإستراتيجية، من خلال المشاركة الفاعلة فى هذه المبادرة التى تعد منصة متعددة الأطراف وآلية متعددة المستويات بين الدول الواقعة على امتداد «الحزام والطريق»، لتبادل الرؤى حول السياسات الاقتصادية الكلية التى تتخذها، وتوسيع المصالح المشتركة بينها، وتعزيز الثقة السياسية المتبادلة، وإزالة العوائق أمام التجارة، وربط المرافق، والتكامل المالي، والتوصل إلى توافق جديد للتعاون فيما يتعلق بإستراتيجيات التنمية الاقتصادية، وتقديم دعم مشترك نحو تنفيذ السياسات والمشروعات المشتركة، بالإضافة إلى تعزيز التبادل والتعاون الثقافى بين الشعوب وعلى مستوى مراكز الفكر والأبحاث. فى القمة الأولى لهذا المنتدى، التى عقدت فى مايو 2017، أكد الرئيس شى جين بينج فى كلمته بحفل الافتتاح على أن الصين وإن كانت أطلقت مبادرة «الحزام والطريق»، إلا أنها لا تعتبر هذه المبادرة تخصها وحدها، بل تشمل العالم كله. وأضاف أن «الحزام والطريق» يجب أن يكون طريقا منفتحا، وأن «علينا أن نبنى منصة منفتحة للتعاون، وأن ندعم ونطور اقتصادا عالميا منفتحا». مبادرة «الحزام والطريق»، والتى تعنى «الحزام الاقتصادى لطريق الحرير وطريق الحرير البحرى للقرن الحادى والعشرين»، مشروع طويل الأجل ومتعدد الأطراف. وبهذه المبادرة ترسخ الصين دورها القيادى فى العالم من خلال تبنى توجهات تصب فى مصلحة العولمة الاقتصادية وتحرير وتيسير التجارة والاستثمار. إن الصين تدرك التحديات التى تواجه العالم، ولديها رؤية واضحة لمواجهة تلك التحديات، وكما أشار الرئيس شى فإن البشرية تواجه تحديات العجز فى السلام والتنمية والحوكمة، ولكن البشرية تعيش فى عصر من التقدم العظيم، والتحول الكبير، والتغير العميق. وقد أكد الرئيس شى أن التنمية العالمية تتطلب قوة دافعة جديدة، وينبغى أن تكون أكثر شمولا وتوازنا، فيما ينبغى تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء. ويرى كثير من المحللين الصينيين أن الدول العربية، وفى مقدمتها مصر، تحظى بقيمة إستراتيجية واضحة لدى الصين فى تحقيق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك اقتصاديا، وتحسين البيئة الجيوسياسية وبناء نظام جديد للاقتصاد الدولي، وغيرها من المجالات. وإذا كانت الصين قد حددت محاور تعاونها مع الدول العربية بأنها الطاقة وبناء البنية التحتية وتيسير التجارة والاستثمار، فضلا عن التكنولوجيا العالية الجديدة والطاقة النووية والأقمار الاصطناعية الفضائية، فإن الدول العربية عليها أن تغتنم هذه الفرصة لإدماج مشروعاتها العملاقة، ومنها المشروعات التى يجرى تنفيذها بمنطقة قناة السويس فى مصر، و«رؤية 2030» السعودية ضمن «الحزام والطريق». إن مصر، بموقعها الجغرافى المميز وممر قناة السويس الملاحى الهام على طول المسار البحرى لمبادرة «الحزام والطريق»، تحتل مكانة هامة، فضلا عن كونها واحدة من أولى الدول الأعضاء المؤسسة للبنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، ما يتيح لها الاستفادة بشكل كبير من المبادرة من خلال تنفيذ مشروعات تنمية مشتركة سواء داخل مصر فى الدول الأفريقية. والحقيقة أن الصين تحتل مكانة خاصة لدى مصر ورئيسها الذى زار الصين أكثر من أى بلد آخر منذ توليه مسؤولية الحكم فى مصر، ففى سبتمبر عام 2018، قام الرئيس عبد الفتاح السيسى بزيارته الخامسة للصين، إذ حضر قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي، وذلك بعد زيارته لها فى 2017 لحضور قمة دول بريكس، وفى 2016، للمشاركة فى قمة مجموعة العشرين بمدينة هانجتشو الصينية، وفى 2015 لحضور احتفالات بكين بالانتصار فى الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد أول زيارة له للصين فى 2014. وفى عام 2018، بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر والصين 13,8 مليار دولار أمريكي، منها 11,99 مليار دولار صادرات صينية إلى مصر و1,835 مليار دولار صادرات مصرية إلى الصين. وكما هو واضح فإن الميزان التجارى يميل لصالح الصين بشدة، ومن هنا تأتى أهمية الاندماج بقوة فى «الحزام والطريق»؛ لأن ذلك يعنى المزيد من المشروعات المشتركة والتدفق السياحى والاستثمارات. فى عام 2017 زار مصر أكثر من ثلاثمائة ألف سائح صيني، وحسب وزارة السياحة المصرية، فإن المستهدف هو الوصول بهذا الرقم إلى مليون فى منتصف 2019. ومن ثم فإن الانفتاح أكثر على الصين ودول «الحزام والطريق» يعنى المزيد من التدفق السياحى إلى مصر من أسواق جديدة. كما أن رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى والتى بدأت فى فبراير 2019، جاءت فى أعقاب قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقى التى عقدت فى أكتوبر 2018، حيث تولى بكين أهمية كبيرة للتعاون مع مصر فى أفريقيا، فقد صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لو كانغ فى الرابع من يناير 2019، بأن الصين مستعدة لتعزيز التواصل والتنسيق الثنائى والمتعدد الأطراف مع مصر التى ترأس الاتحاد الأفريقى فى العام الحالي، لدفع قضية السلام والتنمية فى أفريقيا بشكل مشترك. يجرى التعاون المصري- الصينى فى الإطار الثنائى وفى إطار منتدى التعاون الصيني- الأفريقي، وفى إطار منتدى التعاون الصيني- العربي. وقد اتفق الجانبان العربى والصينى فى الاجتماع الوزارى الثامن لمنتدى التعاون الصيني- العربى أعماله على تأسيس «شراكة إستراتيجية ذات توجه مستقبلى للتعاون الشامل والتنمية المشتركة»، ووقعا على الإعلان التنفيذى الخاص ببناء «الحزام والطريق». وفى هذا الإطار، فضلا عن طرح الصين سلسلة من الإجراءات العملية التى تغطى كافة المجالات، جاء منح قروض للتنمية الاقتصادية قيمتها عشرون مليار دولار أمريكى لدول عربية. لقد أكدت الصين غير مرة أنها ستدفع الدول المختلفة للقيام بالتعاون الدولى فى القدرة الإنتاجية وتصنيع الأجهزة، وتعزيز التواصل والترابط عبر القارات، ورفع مستوى التعاون فى التجارة والاستثمار، وخلق فرص جديدة لنمو الاقتصاد العالمي. كل هذا يجعل القمة الثانية ل«منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي» حشدا مرة أخرى لحكمة الأطراف المختلفة وبناء آلية تعاون فعالة طويلة المدى، وتشكيل شبكة للتعاون المتبادل المنفعة وإقامة نمط تعاون من طراز جديد. إن المشروعات العملاقة التى يجرى تنفيذها أوالمخطط لها فى مصر، مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وموانئ البحر الأحمر فى سفاجا والعين السخنة وغيرهما، والعاصمة الإدارية، ومحطات الطاقة الكهربائية الجديدة والطرق، وإن كانت تعود بالنفع على المصريين فإن من شأنها تيسير حركة التجارة وفتح أسواق جديدة داخل مصر وخارجها، وما يعنيه ذلك من فرص استثمارية لفائض رأس المال الصينى وتسهيل وصول المنتجات الصينية إلى مقاصدها التقليدية وفتح مقاصد جديدة لها بتكلفة أقل. إن ما يميز مبادرة «الحزام والطريق» عن غيرها، هو أنها ليست مجرد كلام أجوف وإنما حقائق موجودة على الأرض، فهى ليست دعاية سياسية أو برنامجا خياليا وإنما مشروعات وخطط وتعاون مربح للجميع.