تحت عنوان «المؤامرة ضد أوروبا»، حذرت مجلة «تايم» الأمريكية من خطورة المد الشعبوى والقومى على أوروبا خاصة مع اقتراب انتخابات البرلمان الأوروبى المقررة 23 مايو المقبل، والتى تجرى هذه المرة وسط تحديات خطيرة تواجه الاتحاد الأوروبى أبرزها الركود الاقتصادى وتراجع العدالة الاجتماعية، فضلا عن موجة الهجرة غير المسبوقة والتى لم يتمكن قادة أوروبا من حلها حتى الآن. وحذرت المجلة من أن الأحزاب القومية المتطرفة والشعبوية المناهضة لفكرة الاتحاد الأوروبي، تتحد حاليا وتتواصل مع بعضها البعض لتكوين جبهة قوية تعزز تواجدها السياسى عبر أوروبا وتدعم فرصها فى انتخابات البرلمان الأوروبى المقبلة. وترجح استطلاعات الرأى أن تحقق هذه الأحزاب نجاحا كبيرا فى انتخابات بروكسل، وهذا ما تؤكده مارى لوبان زعيمة اليمين المتطرف فى فرنسا حيث تقول إنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حققنا فوزا مدويا فى انتخابات السويدوإيطاليا والمجر والنمسا وبولندا إنها كتأثير الدومينيو. وعلى الرغم من صعوبة تحقيق تلك الأحزاب الأغلبية فى البرلمان الأوروبي، فإنه من المرجح بقوة أن تنجح فى زيادة تواجدها العددى داخل البرلمان، مما يسمح للأعضاء المتشددين من اليمين المتطرف وأصحاب النعرات القومية والشعبوية بتوجيه النقاش داخل برلمان أوروبا المقبل والتأثير على قراراته، بل قد يصل الأمر إلى أن يتمكن هؤلاء من تفكيك الاتحاد الأوروبى من الداخل. ولمزيد من الحشد، نبذ قادة تلك الأحزاب خلافاتهم حول بعض القضايا مثل العقوبات الغربية على روسيا وخلافاتهم بشأن السياسات التجارية، وقرروا توحيد قواتهم قبل الانتخابات. ومن الأمثلة على ذلك عقد ماتيو سالفينى زعيم اليمين المتطرف بإيطاليا قمة فى ميلانو فى 8 أبريل الجارى مع قادة اليمين الأوروبى فى النمسا وبولندا، كما دعا سالفيني، مارين لوبان، وغيرها من زعماء الأحزاب اليمينية إلى تجمع جديد بالمدينة فى 15 مايو المقبل بهدف تشكيل كتلة سياسية بهدف تحقيق حلمهم الأكبر وهو إعادة تشكيل الاتحاد الأوروبي. كما غير قوميو أوروبا موقفهم السابق المتمثل فى تمسكهم بمغادرة الاتحاد الأوروبى بعد متابعتهم للتداعيات الكارثية التى حلت ببريطانيا بعد خروجها من التكتل، فالدرس البريطانى دفع زعماء الشعبوية والقومية فى باقى أنحاء أوروبا إلى اختيار نهج آخر غير الخروج من التكتل وهو استراتيجية تفكيك الاتحاد من الداخل. وذكرت «التايم» أن ستيف بانون مستشار ترامب السابق وأحد أعمدة القوميين البيض فى الولاياتالمتحدة، يدعم بقوة المد الشعبوى فى أوروبا، إذ قام بانون بعدة زيارات لدول أوروبا بهدف إعطاء دفعة قوية لأحزاب القوميين من اليمين المتطرف لإعلان الحرب على بروكسل وما تمثله من مباديء الاتحاد الأوروبى بشأن الهجرة وحقوق الانسان والتعددية والاقتصاد. ففى العام الماضي، التقى بانون بزعيمى اليمين المتطرف سالفينى فى إيطاليا ومارين لوبان فى فرنسا، كما سافر إلى لندن للقاء السياسى البلجيكى اليمينى مايكل مودريكامن واتفقا الاثنان على تشكيل منظمة تسمى الحركة تجمع قادة القوميين عبر أوروبا استعدادا لانتخابات البرلمان الأوروبي.والتقى بانون أيضا برئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان، أكبر أعداء بروكسل، وغيرهم. وقال بانون فى حوار مع «التايم» العام الماضى ان هدفه من تلك اللقاءات هو تجهيز الأحزاب الشعبوية للفوز فى انتخابات البرلمان الأوروبى من خلال تطبيق أساليب مثل تحليل البيانات والاستطلاعات وغيرها من الأساليب التى تم استخدامها فى حشد الناخبين خلال حملة دونالد ترامب الرئاسية 2016. وقال بانون أوروبا على كرة من نار الآن بسبب الحركة الشعوبية.وتابع أحزاب الوسط تفتقر إلى الطاقة والشباب والأفكار. وفى المقابل، يعيش قادة أوروبا الحاليون المتمسكون ببقاء الكيان الأوروبى الموحد والقابضون على راية «الليبرالية الغربية» أسوأ لحظاتهم مع تصاعد شعورهم بالعزلة. فعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلنطي، وصف الرئيس الأمريكى ترامب الاتحاد الأوروبى ب«خصم» أمريكا، وعلق اتفاقية التجارة العابرة للأطلنطى مع أوروبا ويهدد باستمرار فرض تعريفات جمركية على المنتجات الأوروبية، كما ينتقد ترامب حلف شمال الأطلنطى «الناتو» ويعتبره «موضة» قديمة. وحذرت «التايم» من أن فشل قادة أوروبا الحاليين فى حل أبرز مشكلتين وهما الهجرة وتراجع الاقتصاد والعدالة الاجتماعية هو السبب الرئيسى وراء صعود تلك التيارات الشعبوية التى تستغل غضب المواطنين من قياداتهم، وسيكون أيضا سببا رئيسيا فى هيمنة تلك التيارات على البرلمان المقبل، لذا، لابد على المدافعين عن مباديء الديمقراطية الأوروبية أن يقدموا حلولا جذرية للتحديات التى تعانى منها القارة قبل انتخابات الفرصة الأخيرة بحسب وصف أحد الخبراء السياسيين الأوروبيين. واختتمت المجلة الأمريكية تقريرها بتحذير برونو لومير وزير الاقتصاد الفرنسى من أن التاريخ قد يعيد نفسه وتعود أوروبا لعصور العنف والاقتتال، وقال أيضا: «فى مايو المقبل، على الأوروبيين أن يختاروا ما إذا كانوا يريدون أن تعود قارتهم إلى تاريخها القديم المفعم بالشعوبية والصراع».