طالما كانت ميزانية الولاياتالمتحدةالأمريكية مثيرة للجدل،ومحل أزمات بين رؤساء أمريكا والكونجرس،وها هى ميزانية2020ما لبثت تطفو على السطح،حتى بدأت الخلافات بين الرئيس ترامب وأعضاء الكونجرس فى الظهور، فمشروع الميزانية المطروح بقيمة 4٫7 تريليون دولار من جانب البيت الأبيض يتضمن تخصيص نحو 750 مليار دولار للدفاع وتطويرالجيش ولإنشاء »قوة للفضاء» وهو فرع جديد للجيش الأمريكى ، مقابل خفض كبير لميزانية برامج الحماية الإلكترونية على الإنترنت والتى يستخدمها العديد من الأمريكيين ,وكذلك تخفيض لميزانية وكالة حماية البيئة، وهى تخفيضات يتوقع أن يرفضها الكونجرس، فضلا عن أن مطالب ترامب بتخصيص أموال بالميزانية المقترحة لتمويل الجدار الذى يريد بناءه على الحدود مع المكسيك, تثير العديد من التكهنات حول حجم الأموال التى سيطلبها لتضاف إلى 8٫1 مليار دولار التى أصبحت تحت تصرف ترامب بعد إعلانه حالة الطوارئ والتى يرفضها ليس الديمقراطيون فقط ,بل عدد من أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين ايضا ,ويعتبرونها تجاوزاً من جانب ترامب لصلاحياته التنفيذية . ويرى الخبراء الاقتصاديون أن خطة الرئيس الأمريكى قد تؤدى إلى ارتفاع العجز إلى نحو تريليون دولار فى عام 2020، مع زيادة الدين الفيدرالى بنسبة 61 % بحلول 2028 ، خاصة فى ظل سعى الولاياتالمتحدة الدائم إلى زيادة النفقات العسكرية بشكل قوى ومكلف،ومن قبل أكد الجمهوريون أن مشروع موازنة السنة المالية 2019 يتخلى عن هدف جوهرى قديم ينفذه الجمهوريون بشأن سد عجز الميزانية الفيدرالية فى غضون عقد, وهو نفس النهج المتبع فى الميزانية المقترحة بينما يروج المسئولون فى البيت الأبيض إلى أن هذه الخطة الاقتصادية تصب فى مصلحة أمريكا، وأن الخطة تستند إلى تقديرات بأن الاقتصاد الأمريكى سينمو بنسبة 3% سنويا فى السنوات الست القادمة، وهو معدل نمو يعتبره العديد من خبراء الاقتصاد غير واقعى ،حتى مع الزيادة المحدودة المترتبة على الاستقطاعات الضريبية، والدليل على ذلك أن زيادة حجم الايرادات فى الموازنة الأمريكية عام 2018 يعود أساساً إلى زيادة حجم المتحصلات من الضرائب . وفى وقت سابق أكد مكتب الموازنة بالكونجرس وهو كيان غير حزبى أن الولاياتالمتحدة تتجه نحو عجز فى الموازنة السنوية يتجاوز تريليون دولار بعد التخفيضات وارتفاع الانفاق العام، وأن تدابير الموازنة ستدعم الاقتصاد الأمريكى بشكل مؤقت ولكنها ستؤدى إلى تفاقم الديون طويلة الأمد ، كما أن ديون الولاياتالمتحدة قد ترتفع إلى مستوى مماثل لمستويات الديون خلال الحرب العالمية الثانية والأزمات المالية العالمية ،وهو ما قد يؤدى إلى عواقب وخيمة وخطيرة على الاقتصاد الأمريكى . ووصل الأمر ببعض الخبراء إلى القول إن الولاياتالمتحدة اذا استمرت على هذا النهج ستدخل فى دائرة الإفلاس . ومن المتوقع أن يمنح مشروع الميزانية الفرصة للديمقراطيين لتوجيه الانتقادات للجمهوريين، خاصة وان مشروع هذه الميزانية يعد الأكبر فى تاريخ الولاياتالمتحدة بعد ميزانية السنة المالية 2019 والتى بدأت منذ أكتوبر الماضى ، والتى زادت بنسبة 3% بالنسبة للميزانية العسكرية عن عام 2018, وهو مؤشر على إصرار الولاياتالمتحدة على المضى قدما فى سباق التسلح ,وخوضها مرحلة التنافس مما يؤدى إلى بناء توازنات جديدة بالنسبة للقوى العالمية، وهو أمر يثير مخاوف الدول الكبرى وعلى رأسها الصين ، كونها أكبر دائن خارجى للولايات المتحدة ، وكذلك روسيا والاتحاد الأوروبى . ويأتى اشتعال الجدل حول الميزانية من اختلاف وجهات النظر، فهناك المؤيدون الذين يرون أنها ضرورة لحاجة الولاياتالمتحدة لتعزيز أمنها القومى الداخلي، والبعض الآخر يرى أنها تضر بقطاعات أخرى مهمة مثل الرعاية والهجرة والعدالة الاجتماعية، وهناك آخرون يرون أنها متعلقة بالمنافسة الجيوسياسية للقوى الدولية، وأن تحالف الصينوروسيا فى عدة مجالات سواء عسكرية أو سياسية أو اقتصادية يدعو الولاياتالمتحدة إلى مواجهة ذلك بزيادة الإنفاق العسكرى لابقائها فى موقع الريادة العالمية . ويتضمن مشروع الميزانية تمويلا غير مسبوق لوزارة الدفاع ويقدر بنحو 750 مليار دولار, منها تخصيص 576 مليار دولار للنفقات الأساسية للبنتاجون، واستخدام المبلغ المتبقى لتمويل العمليات العسكرية خارج حدود البلاد ولإنشاء قوة الفضاء وهو مابرره الجنرال إريك وسيلي، مدير مركز تحسين المهارات القتالية فى الجيش الأمريكى بقوله إن العمليات العسكرية واسعة النطاق تتطلب على وجه الخصوص إنشاء فرق وجيوش ميدانية لذلك سيتعين على الجيش الأمريكى فى السنوات التالية أن يتحسن وفقا ً «لعقيدة العمليات متعددة الأصعدة». أما قضية تمويل الجدار الحدودي فى الموازنة، والتي بسببها شهدت الولاياتالمتحدة العام الماضى فترات إغلاق حكومي, فلا يزال الرئيس ترامب مصراً على تمويل الجدار الحدودى مع المكسيك لوقف عبور المهاجرين، وتوسيع وتحسين الحواجز الحدودية على طول الحدود المكسيكية، أما معارضوه بمن فيهم من حزبه الجمهورى فيتهمونه بتضخيم خطر الهجرة غير الشرعية لتحقيق مكاسب سياسية لنفسه. إن القراءة المتأنية لميزانية الولاياتالمتحدة لعام 2020 ، توضح تعزيز نهج صقور إدارة ترامب الذين يدعمون دائماً زيادة الإنفاق العسكرى , ويقابلها على الجانب الآخر قلق دولى من التأثيرات السلبية لذلك على الأمن الدولى فى إطار سباق التسلح, كما أنها توجه الجزءالأكبر منها لخدمة وعود ترامب الانتخابية ، و تنفيذ توجهاته على حساب تخفيض ميزانية برامج أخرى مثل الحماية الألكترونية على الإنترنت وحماية البيئة وبرامج شبكة الأمان الاجتماعي، وهى قطاعات مهمة ولها أبعاد اجتماعية واقتصادية للعديد من الأمريكيين، مما ينذر باشتعال أزمة نظرا لوجود توقعات برفض أعضاء الكونجرس وخاصة الديمقراطيين لهذه الميزانية. وربما يتكرر ايضا سيناريو الإغلاق الحكومى الذى دائما ما يترتب على خلافات حول الموازنة، فلقد شهدت الولاياتالمتحدة عدة مرات فترات إغلاق للقطاع العام على مدار تاريخها ففى عهد جيرالد فورد استمر الإغلاق 10 أيام، وفى عهد جيمى كارتر تكرر مرتين واستمر فى إحداها 17 يوما، وفى عهد بيل كلينتون استمر 3 أسابيع ثم باراك أوباما وأخيرا فى عهد الرئيس الحالى دونالد ترامب.