تعرفت على مشروع المهندس سامح مقار منذ ما يقرب من خمسة عشر عاما! واستمرت وتعمقت تلك المعرفة، التى لم تنقطع، بل تحولت الى نوع من المتعة، أستعين أو أتزود منها، بل وأسعى لنشرها، كجزء من التعرف على ذاتنا.. والطريف أننى كنت أحول هذه المتعة فى بعض الأحوال، الى شراكة ما بين من أعرفهم من أصحاب، الذين عليهم أن يشكروا المهندس سامح مقار الذي، ولا أعرف كيف، امتلك كل هذا الصبر، وهو غير المتخصص، ليقدم عملا جميلا كمشروعه. ومشروع الباشمهندس سامح كان فيما ننطق من كلمات، فى مقارنة لا تتوقف للعامية المصرية وتقريبا كل اللغات الممكن ان تخطر على البال.. ليقول لنا أو لك فى الآخر: نحن نتكلم اليونانية والفارسية والتركية والهندية.. والفرنسية والإيطالية والإسبانية و الارامية، وقبلها جميعا اللغة القبطية القديمة، وبطلاقة! ربما نخطئ فى الفصحي، نرفع المفعول به، وننصب الفاعل وننسى ان الباء حرف جر، ولا ننتبه الى الفارق بين أن والهمزة المفتوحة وإن الشرطية بهمزتها المكسورة، لكن المؤكد فى تلك اللغات انت متمكن! والدليل بحث المهندس سامح مقار ولا عجب!. المهندس مقار الذى ظل شغله الشاغل ولسنوات تأمل ما ننطقه فى العامية، ثم انتقل من مرحلة التأمل الى مرحلة البحث، ويبدو أن منهجه كمهندس منظم التفكير قد ساعده كثيرا، وكشف لنا ان عاميتنا المصرية، كانت أشبه بالسفنجة امتصت على مدى عقود وعقود من كل من جاءوا وعبروا اراضينا، لغاتهم، ومصرت الفاظا منها، حتى لكأن هذه الألفاظ، بنت العامية المصرية، وهم استعاروها. حكاية المهندس سامح مقار مع ما ينطقه المصريون، أول خيطها التقطه من بضع كلمات، تجرى على لسان الوالدة، شأنها شأن أى سيدة مصرية، لكن الموضوع كبر والحكاية طالت وامتدت، وأصبحت كتابا، ثم كتبا توثق، أخذت من عمره سنوات وسنوات وعرفنا أن صديقا لطفولته، ورفيقا له و(وجه له شكرا عميقا) اسمه مجدى هرمينا، كان المؤازر الأول للفكرة نظريا وعمليا، وأن صديقا ثالثا كان فى خلفية مشروع من أجمل وأندر ما يمكن أن تطلع عليه، مقارنا بما تنطق به كل لحظة، وأى من اللغات السابق ذكرها، و ممكن أن تضيف اللغة الارامية والعبرانية والفينيقية، وبالطبع ومن باب أولى الإنجليزية، التى مكث أصحابها سبعين عاما فى بلادنا ولم ننطق بلغاتهم..! بالتأكيد أن متعة تصاحب المطلع على ثنايا مصادر العامية المصرية وبالذات فى غرائب الفاظها. فى البداية، يحكى كيف ان كلمات مثل: يفشفش ومخستع، كانت تستوقفه من على لسان والدته.. كان يرى انها الفاظ فى منتهى الغرابة، وعندما على سبيل المثال تنشر الغسيل او تلمه وتعيد نشره على مقاعد او غيره حتي: يتشفشف، أو لما يصل الى أذنه أن فلانا ضحضح فلانا. السيدة أم مقار كانت صعيدية أصيلة وكان من الطبيعى أن يذهب المهندس بعقله الى الصعيد ويفسر به ما يراه من غرائب الالفاظ وأن يرد الى اللغة المصرية القديمة جزءا مما يسمعه، باعتبار أن صعيدنا هو حافظة للجذور.. لكن فى الحقيقة أن الصعيد وحده لم يستطع أن يحل اللغز اللغوى العامي.. طيب ان ذهب إلى فرح وسمع كلمة شوبش يا أهل العروسة مثلا؟ ولو كان سائرا فى طريق ولمؤاخذه شاف عربجى الكارو يدفع الحمار للسير وبأعلى صوته يكلمه حا .. يس. الباشمهندس الذى دخل مشروعه اللغوى الى ذاكرة التوثيق، بدأ بورقة وقلم، يدون بها الفاظا لم يجد لها جذورا عربية، وكان الطبيعى والأقرب ان يتجه الى معاجم اللغة القبطية، حيث الاستمرارية القادمة منها هى الاقرب، وتحولت عملية الاستعانة الى دراسة جادة للغة القبطية، واتسعت الرغبة فى الدراسة تحت إلحاح التساؤلات، فإذا به يروح الى الهيروغليفية ليكتشف هو، ونندهش نحن! حين يقول إن الفاظا مثل صحراء وخسيس وباهر وفاخر لها أصل هيروغليفي! هل هذا معقول؟ بل ان هناك نحو اثنتى عشرة لغة، هى روافد للعامية المصرية، وأتصور أن الرحلة التى عاشها أو خاضها الباشمهندس، لم تكن لتخص المعنيين بأمور اللغة، بل تخصنا نحن الناس فى الشوارع والبيوت واعتقد أنه فى مثل الفترات الغائمة الملتبسة، ثقافيا وحضاريا، يكون التعرف الى اى مكون فى الذات، من خطى الإصلاح والصلاح. لمزيد من مقالات ماجدة الجندى