كنت أبحث عن المجرم الحقيقى فى أزمة وقف شيرين عبد الوهاب عن الغناء، وقضية وقف محمد رمضان عن التمثيل والاستعراض فوجدت مهزلة، تهدد نجومنا الكبار أحمد زكى و محمود عبد العزيز وعادل إمام ومحمد هنيدي.. بالإيقاف عن التمثيل والحبس والغرامة! المهزلة سببها تسرع الفنان الكبير هانى شاكر فى خلع ثوب أمير الطرب المبدع وارتداء ثوب ضابط بوليس الآداب، وإصداره قرارا بوقف فنانة قبل التحقيق معها وقبل صدور قرار النيابة وحكم القضاء، شجع هذا القرار محاميا آخر لاعتبار زلات لسان الفنانة الجميلة هى السبب فى أزمة السياحة وانهيار سعر العملة وتعريض أمن مصر القومى للخطر، وتشجع محام ثالث لتوجيه إنذار إلى نقيب الموسيقيين هانى شاكر بوصفه يمتلك الضبطية القضائية، للقبض على النجم محمد رمضان وضبطه وإحضاره ليس لأنه فى أحد الأعمال يرقص بصدر عار وليس فقط لأن الرقصة تحمل مضامين جنسية وتشوه الفن المصرى وسمعته وتمثل جرائم جنائية وتأديبية، لكن لأن محمد رمضان فى استعراضه الغنائى «أنا مافيا» يغنى دون تصريح! وأضاف الخبر الذى نشرته جريدة الوفد يوم الاثنين الماضى أن المحامى وجه انذارا على يد محضر الى حضرة الضابط نقيب الموسيقيين بإيقاف محمد رمضان بسبب رقصة مثيرة تسببت فى غضب جماهيرى ويشوه سمعة مصر! والحقيقة أن مقدم المحضر الذى طالب بوقف الممثل الذى يمتلك كاريزما غنائية بديعة هو الذى يشوه سمعة مصر، فحضرة الأفوكاتو لا يتهم النجم محمد رمضان بالإسفاف ولا هبوط الكلمات ولا يتهم «نقيب الغناء» بعدم رعاية هذا النجم الموهوب أو احتوائه وهى اتهامات مشروعة، ولكنه يطالب بحبس الممثل لأنه يغنى دون تصريح بالغناء، وهو اتهام غريب إذا وجه لممثل استعراضى، ويهدد بالوقف ثلاثة أرباع كل من يركب حصان خيالة من نجوم مصر، فمن ينسى أغنية مرجان أحمد مرجان للنجم عادل إمام؟ ومن ينسى أغنية قزقز كابوريا لأحمد زكي؟ ومن لا يعترف بعمق المعانى فى أغنية الشيخ حسنى بفيلم الكيت كات لمحمود عبد العزيز وجملة: فيه جلد كان حمل وفيه جلد كان جمل!. وأعود إلى المجرم الحقيقى فى قضية المطربة شيرين، وهو بالقطع ليس المحامي، لكنه كل من لا يعترف بأن الدنيا تغيرت، وأننا دخلنا عصر النشر الإلكترونى الذى انتهى فيه زمن الحشد وحارس البوابة الإعلامية والقطيع ودخلنا عصر تمكين الجمهور، حيث صار جمهور الانترنت المفتت هو سيد قراره، وهو الذى ينتقى ويركز ويعدل ويلغى بكبسة زر خارج المؤسسات الرسمية، وهناك الآلاف من المدونين ونوادى الدردشة حول العالم، لا يملكون إلا مجرد جهاز كمبيوتر وموهبة ومهارة فى التعامل بالصوت والصورة والرسوم والغناء، ويستطيع أن يصل إلى جمهوره بحميمية وكأنه يغنى له شخصيا، وأن هذا الجمهور ينتشر حول العالم خارج نطاق الراعى الرسمي، ورغم أنف كل نقباء الموسيقي، لا تستطيع أن تقنعه بأن هزار شيرين أو زلة لسانها تضر بالأمن القومى أو تسبب أضرارا بالسياحة وتخفض سعر العملة، حتى ولو صدقنا أن اقتصاد مصر بهذه الهشاشة التى تشيله وتحطه أغنية!. وجمهور الإنترنت مثل جماهير الميكروباص وتسمع السائق يوجه الإهانات للركاب فى الشارع، والمحصل يقول لسائقه «هات الملطوش ده» وهو لا يفرق بين الجنيه والزبون السكران، أو يتشاجر مع سائق توكتوك ويتهمه بالرمرمة فى الطريق، ويسمع كل الركاب هذا الكلام ولا يمتنعون عن ركوب الميكروباص، لأنهم لا يجدون البديل المناسب فى النقل العام والجماعي، ولو وجدوه سيكون حكمهم وموقفهم عنيفا على كل السائقين المتطاولين!. كم من المطربين حققوا الملايين من مبيعات الشرائط ثم اختفوا تماما من الساحة بأمر الجمهور وليس بأمر حضرة الضابط النقيب، لأن الروابط الإلكترونية صارت أقوى من دور النقابات والأحزاب السياسية. هل تعلم أن أغنية (العب يله) للنجمين أوكا وأورتيجا قد حققت 162 مليون مشاهدة وهم ممنوعون من عضوية أى نقابة؟.. أما أغنية مافيا لمحمد رمضان التى يطالب حضرة الأفوكاتو بمحاكمته بسببها فقد حققت 97 مليون مشاهدة وهو رقم لا تستطيع أى نقابة غناء تجاهله، وفى الماضى يحدثنا التاريخ عن نجوم اتخذت لجان الاستماع والنقابات قرارا بعدم صلاحيتهم للغناء فماتت لجان الاستماع وعاش نجوم بحجم محمد فوزى وعبد الحليم حافظ ومدحت صالح، والمنع من الإبداع قد يجوز فى مجال التليفزيون، أو فى مجال الصحافة المكتوبة، أما الغناء فى عصر النشر الإلكترونى فالمنع والحبس صار موضة قديمة! فأحسن عقاب للإسفاف هو تقديم البديل المقنع والارتقاء بالذوق العام، ينطبق هذا على النجم محمد رمضان والنجمة المحبوبة شيرين عبد الوهاب، ولو حبستهما النقابة فى قمقم سيصطف الجمهور الافتراضى أمام بابهما بالملايين!. لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف