هل يمكن أن ينجح الحزب الليبرالى بقيادة جاستين ترودو فى الانتخابات القادمة المزمعة إقامتها فى شهر نوفمبر المقبل؟ يتردد هذا السؤال ،الذى كانت إجابته محسومة لصالح ترودو قبل أشهر قليلة، فى أروقة السياسة الكندية وذلك بسبب عدد من الضربات المتتالية التى تلقاها ترودو أخيرا والتى يعد آخرها فضيحة سياسية وأخلاقية بكل المقاييس. ففى أحدث تداعيات فضيحة الفساد الكبرى التى تعصف بالحكومة الكندية طرد رئيس الوزراء جاستين ترودو من عضوية الحزب الليبرالى وزيرتى العدل والخزانة، اللتين كانتا السبب وراء تفجير فضيحة تورط ترودو فى الضغط على القضاء لتفادى محاكمة إحدى الشركات الكندية المتهمة بالفساد. ويرجع تصاعد حدة الفضيحة عندما فاجأت جودى ويلسون وزيرة العدل فى الحكومة الفيدرالية الجميع باستقالتها من منصبها وترددت أنباء حول ان أسباب الاستقالة لها علاقة بضغوط مورست عليها بشأن قضية فساد كبرى. وسرعان ما تدفقت تصريحات من قبل المعارضة الكندية تطالب الوزيرة بالوقوف أمام لجنة العدل فى البرلمان الكندى و الإدلاء بشهادتها. وهو ما حدث بالفعل عندما ألقت الوزيرة بشهادتها أمام البرلمان الكندى واعترفت فيها بأنها تعرضت لضغوط شديدة من قبل ثلاث جهات فى الحكومة وهى مكتب رئيس الوزراء ومكتب المجلس الخاص الذى يقدم الاستشارات لرئيس الوزراء والوزراء وكذلك مكتب وزير المالية، وذلك لكى توقف الملاحقة القانونية باعتبارها وزيرة العدل والنائب العام لشركة « إس إن لافلين» . وتعود القصة لسنوات عديدة مضت حيث كانت الشركة المذكورة بصدد توقيع صفقة مشتركة بين الحكومة الكندية والحكومة الليبية أيام الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى ووقتها حضر إلى العاصمة الكندية نجل الرئيس معمر القذافى لاتمام الصفقة، وكان ضمن برنامج الاستضافة مجموعة من الأنشطة الترفيهية، المشكلة حدثت عندما تقدمت الشركة بتقارير التسوية الضريبية لها والتى ضمنتها تكاليف الأنشطة الترفيهية، وهو ما اعتبرته مصلحة الضرائب ووزارة المالية فسادا واضحا فحولت الأمر لجهات التحقيق، وأن التكاليف تضمنت أيضا هدايا قيمة لعدد من المسئولين الليبيين. ورغم ان القصة تعود لأكثر من عشر سنوات مضت قبل انتخاب ترودو إلا أن التحقيقات فيها بدأت أخيرا وهو ما قالته وزيرة العدل فى شهادتها، مؤكدة أنها أثناء لقائها برئيس الوزراء الحالى جاستن ترودو، قال لها: ان استمرار هذه القضية امام المحاكم سوف يعنى عقوبات ضخمة قد تقع على الشركة المتورطة فيها وقد يمنعها من الحصول على اى تعاقدات حكومية لسنوات طويلة وهو ما يعنى خسارة فادحة للشركة قد تؤدى الى فقدان العاملين بها لوظائفهم. انتهزت المعارضة الفرصة بسرعة لتنتقد ترودو وتضعه فى خانة الاتهام بسوء استغلال منصبه.. حيث صرح أندرو شير رئيس حزب المحافظين بأن التبريرات التى يسوقها رئيس الوزراء للدفاع عن تدخله فى سير العدالة، غير مقبولة وأن كل هدفه السعى لتحقيق تسوية ما من أجل تحسين وضعه فى الانتخابات القادمة وللحصول على دعم الشركات الكندية الكبرى. وأضاف زعيم المعارضة أن مثل هذا التصرف يدفع الكنديين الى عدم الثقة بنظامهم القضائي، خاصة ان هناك ثلاث جهات رسمية متورطة فى محاولة التأثير على وزيرة العدل والتى بحكم منصبها فهى تشغل ايضا منصب النائب العام، مما يعنى ان الامر ليس مجرد خطأ عابر او سوء تقدير من رئيس الوزراء بل هو تدخل متعمد فى مسار التحقيقات مع الشركة المتورطة. وهو ما أكدته ايضا شهادة الوزيرة المستقيلة عندما قالت: ان رئيس الوزراء قال لها انه نائب عن دائرة بابينو فى مقاطعة كيباك وهى نفس الدائرة التى تقع فيها الشركة، وهو مادفعها للرد عليه بسؤال هل تتدخل فى دورى كنائب عام؟ فأجابها بالقطع لا إنما أحاول أن أحل المشكلة. واضافت الوزيرة ان مكتب الاستشارات الخاصة قد اتصل بها وقال لها تعليقا على القضية: اننا نريد ان ينجح الحزب الليبرالى فى المعركة الانتخابية القادمة فى نوفمبر 2019.اما مكتب رئيس الوزراء فقد أبلغها بشكل مباشر انه ستتم إقالتها من منصبها، لكن هذا التهديد تحديدا تم نفيه من قبل مكتب رئيس الوزراء وأكد المتحدث الرسمى ان الحديث عن إقالة الوزيرة لم تكن له اى علاقة بالقضية المثارة. لم تكن استقالة وزيرة العدل هى رد الفعل الوحيد لإثارة هذه القضية فقد تبعها عدد آخر من الاستقالات من ضمنها استقالة جيرالد بوتس كبير مستشارى رئيس الحكومة الكندية الذى لم يكتف بذلك بل طلب الادلاء بشهادته امام البرلمان فى محاولة لمساندة وزيرة العدل المستقيلة. كذلك استقالت ايضا جاين فيلبوت وزيرة الخزانة، رغم أنها كانت تعد من اكبر الداعمين لرئيس الوزراء الحالي،حيث قالت تعليقا على تقديمها استقالاتها إنها فقدت الثقة فى طريقة تعامل الحكومة مع القضية وان قيمها وأخلاقها وواجبها الدستورى يحتم عليها الاستقالة. من جانبه، لم يعلق جاستن ترودو رئيس الوزراء على أى من الاتهامات الموجهة له مكتفيا بقوله إنه تفاجأ باستقالة وزيرة العدل ووزيرة الخزانة. واضاف ان النقاشات الدائرة مهمة، فهى تتناول طريقة مؤسساتنا الديمقراطية ، بما فيها الحكومة الفيدرالية فى التعامل مع القضايا. وربما فى محاولة لرأب صدع انهيار الحكومة الليبرالية أعلنت كريستيا فريلاند وزيرة الخارجية دعمها الكامل لرئيس الوزراء مؤكدة ثقتها الكاملة فى رئيس الحكومة وثقتها فى أنه يفهم جيدا دور النائب العام. أما ديان لوبوتييه وزيرة الشئون الداخلية فقد مدحت عمل الحكومة وتنفيذها لوعودها الانتخابية ومنها تراجع خط الفقر. وأكدت باتى هادجو وزيرة العمل أنها متفائلة بما يمكن أن يحققه جاستن ترودو فى الانتخابات القادمة . كل هذا لا ينفى ان هناك مأزقا كبيرا للحزب الحاكم، وقد تردد أن المخرج الوحيد هو أن يدلى رئيس الوزراء بخطاب ندم على طريقة تعامله هو وفريق عمله مع هذه القضية. لكن السؤال: هل سيسامح الكنديون رئيس الوزراء الشاب، أم سيعاقبونه هو وحزبه فى الانتخابات المقبلة، خاصة ان هناك قضايا اخرى خذل فيها ترودو ناخبيه؟.