جاءنى صوته عبر الهاتف مضطربًا، متوسًلا أن نعرض مشكلته هو وزملاؤه ايتام، بعد أن أعيتهم الحيل وأصبحوا مشردين بلا مأوى منذ إغلاق دار أيتام بالعاشر من رمضان، كانت تؤويهم لمدة 18 عاما منذ ولادتهم. ياسر شريف .. يتيم عمره 19 عاما، وصف الحياة بالدار بأنها كانت «صعبة وغير سوية»، قائلا : لكننا تحملنا مقابل تحقيق حلمنا بدخول الجامعة لنضمن لأنفسنا مستقبلا أفضل. وبصوت مخنوق أضاف ياسر: يكفينا أن جدران الدار كانت تحمينا من غدر الشارع، لكن هذه الجدران لم تستمر، فقد تحطمت أحلامنا ودخلنا مستقبلا مظلما، حيث نعيش بلا مأوى ولا تعليم ولا دار ترعانا. ما قاله ياسر يطرح تساؤلات حول الوضع فى دور الأيتام، والذى نناقشه فى هذه السطور التى تفتح فيها «تحقيقات الأهرام» قضية «تسريح ايتام» بعد سن ال 18 عاما، بسبب التعديلات على قانون الطفل والخاص بمؤسسات الرعاية الاجتماعية، فماذا يفعل هؤلاء بعد هذه السن، وهل من الممكن تعديل القانون؟ أو توفر الجهات المسئولة لهم دورا بديلة لاحقة كما ينص عليها القانون؟ أيضًا نتساءل عن مصير التبرعات وهل يستفيد منها الطفل اليتيم؟ وما مصير دفاتر ادخار الخاصة بهم، والدور الرقابي لوزارة التضامن؟.. وإلى التفاصيل.... بمرارة شديدة يروى ياسر شريف حكايته قائلاً : منذ وعيت على الدنيا وإخوتى بدار الأيتام هم عائلتي، أعيش معهم وكان عددنا 93 طفلا، نواسى بعضنا عندما نتعب أو يتعرض أحدنا للتعذيب جراء خطأ ارتكبه، وكان صاحب الدار يوفر لنا المأكل والملبس ويعلم من يريد منا التعليم، لكنه فى المقابل كان يستغلنا، فكان يمتلك شركة للأوناش والمعدات الثقيلة، وكنا نعمل لديه فى الشركة دون مقابل، ولصغر سننا كنا نعتقد أن من الطبيعى مساعدته فى أعماله الخاصة، وعندما كبرنا علمنا أنه كان يستغلنا لمصلحته الخاصة، وأذكر عندما كنت بسن التاسعة أننى سألته وبعض إخوتى عن دفاتر الادخار الخاصة بنا، فطمأننا أنها «موجودة» وبها مبالغ مالية وسيسلمها لنا عند بلوغنا سن الرشد، وعندما اشتد عودنا اكتشفنا أن الدفاتر «خالية» من المدخرات، وقتها شعرنا بالخطر وهرولنا إلى مديرية التضامن الاجتماعى وقدمنا شكاوي، وبعد التفتيش أغلقت الوزارة الدار، وأبلغت النيابة ونقلتنا إلى دار أحداث بالزقازيق، فكنا فى حالة نفسية سيئة، صحيح أن الحياة لم تكن وردية بالدار السابقة، لكن كانت أفضل بكثير من الحياة داخل «احداث»، وقتها اعترضت أنا و10 من إخوتى وقررنا مغادرة دار احداث، وتوقعنا أن الأعمال التى كنا نعمل بها ستوفر لنا سكنا بمقر العمل، ووقعنا على إقرار يفيد بإخلاء مسئولية الوزارة تجاهنا، فكان كل ما يشغلنا وقتها ألا نظل فى دار أحداث لا يدخلها سوى الخارجين عن القانون ليعاقبوا، لكن نحن ماذا فعلنا لنعاقب بايداعنا الأحداث؟! ويضيف: ذهبنا إلى حال سبيلنا بعد أن شعرنا بامتهان كرامتنا، وبدأنا نعمل حتى نستطيع توفير احتياجاتنا، لكن الحال لم يدم طويلا، فتم تسريح بعضنا من العمل لنجد أنفسنا ننتقل من سييء لأسوأ، وأراد بعضنا أن يستكمل دراسته، خاصة بعد علمنا أن الوزارة نقلت إخوتى من دار احداث إلى بناية استأجرتها مؤقتًا لحين توزيعهم على الجمعيات، حاولنا العودة لكن دون جدوي، فقد تجاوز عمرنا ال 18. ولا يحق لنا قانونًا الوجود داخل دور الرعاية، فكان مصيرنا الشارع، وكان أخواننا الذين يبيتون فى السكن المستأجر يدعوننا للمبيت معهم خلسة كى نحتمى من برد الشتاء القارس، وعندما اكتشف المشرف ذلك طردنا مع من قام بدعوتنا. ويستغيث ياسر بالقلوب الرحيمة قائلًا : لا أدرى ماذا أفعل، لقد وصلت للثانوية العامة ولم أستطع اجتيازها منذ عامين، فبعد أن كنت طفلا يتيما تؤويه دار رعاية أصبحت بائسا مشردًا، وكلما بحثت عن عمل يحالفنى الحظ مرة، ويخالفنى مرات. . كم كنت أحلم أن أخرج من هذه الدار وسلاحي شهادتى ودفتر التوفير الخاص بى لأشق طريقى فى الحياة، لكن للأسف لم أجد بانتظارى سوى «واقع مرير». المستقبل أصعب أما عماد مجدى 16 سنة فيستكمل ما قاله «ياسر»: عندما نقلتنا التضامن من دار احداث إلى السكن المستأجر، تم توزيعنا على جمعيتين خيريتين، وكنت ممن ذهبوا إلى إحداهما، والحقيقة أن المسئولة عن الجمعية تهتم بنا وتوفر لنا سبل الحياة مع الاهتمام بتعليمنا، فأنا فى الصف الأول الثانوى لكن يبقى الحال على ما هو عليه، فمازلنا لا نملك مدخرات مالية، وشبح سن ال 18 يقترب وسنواجه نفس مصير إخواننا المشردين. أحمد مصيلحي رئيس شبكة الدفاع عن اطفال بنقابة المحامين، يوضح أن قانون الطفل يؤكد أن دور الرعاية هذه بديلة عن اسرة، ويتساءل، هل تتخلي اسرة عن مسئولياتها تجاه أولادها بعد بلوغهم سن ال 18؟. ورغم أن اللائحة التنفيذية لدور الرعاية والايتام لا تنص على تسريح هؤلاء الشباب بعد بلوغ ال 18، وما تنص عليه هو إستمرارية الشاب الذى مازال يدرس، ولو لم يكن يدرس حتى يجد عملا مناسبا، إلا أن هناك دوراً كثيرة لا تلتزم بذلك والرقابة غائبة، ومن الواضح لكل ذى عقل، أن كل اطفال فى دور الرعاية لم يحصلوا على حقوقهم الطبيعية، من رعاية صحية وتربوية وتعليمية، ما يجعلهم يعتمدون على أنفسهم عند بلوغهم سن معينة. وحدة سكنية وفيما يخص الحقوق المالية، فإنه منذ سنوات طويلة كان كل طفل يتيم فى دور ايتام يحظى بوحدة سكنية، يبدأ بها حياته عند تخرجه من الدار، بشرط أن يكون متعلمًا حتى يحافظ عليها، وبمرور ايام اختفت هذه المزايا، ربما لضعف الدور الرقابى على هذه الدور، ما أدى إلى استباحة بعض أصحاب هذه الدور من ذوى النفوس الضعيفة لأموال هؤلاء الايتام، فقد كانوا يجمعون التبرعات من داخل مصر وخارجها، أيضا ينص القانون على أن لكل طفل دفتر إدخار يودع فيه 5% من نسبة التبرعات، وفى حالة عدم وجود تبرعات تموله الوزارة، على أن يجد به الشاب 50 ألف جنيه كحد أدني، لكن ضعف الرقابة يؤدى إلى انتهاك الأموال فى هذه الدفاتر، بدعوى أنه تم صرف هذه الأموال علي التعليم والملبس، مشيراً إلى الدور الكبير الذى تقوم به وزيرة التضامن، وتقديمها أفكارا رائعة، كفكرة فريق انقاذ وأطفال بلا مأوى وأسرة بديلة، فهى أفكار مطبقة فى كل دول العالم، ولاقت الكثير من النجاح، ولكن تبقى آلية التطبيق والاستعانة بأشخاص يستطيعون تنفيذها بشكل أفضل. السن الحرجة أسماء النشرتى مديرة مؤسسة لرعاية الطفل اليتيم للأولاد تقول، إن عدد الأيتام فى الدار 15 طفلا، تتراوح أعمارهم ما بين 3 و 15 سنة، ورغم أن القانون ينص على ترك الطفل للدار بعد سن ال 18، لكن لن أستطيع أن أترك هؤلاء الشباب فى هذه السن الحرجة، فكيف أتركهم فريسة التشرد والجوع بعد أن كان لهم مأوي؟ وحاليًا تقوم الجمعية بتجهيز شقة استعدادا لنقل اولاد بعد بلوغهم 18 سنة، وأنوى عدم تركهم حتى تستقر أوضاعهم، وتقول : اولاد فى الدار فى مراحل التعليم المختلفة، ونستطيع من التبرعات القليلة توفير احتياجاتهم، مشيرة إلى أن وزارة التضامن دورها «رقابي» فقط، ولم تشاركنا فى أى تمويل، وكل طفل لديه دفتر توفير يتم إيداع نسبة 5% من قيمة التبرعات السنوية، وبما أنها تبرعات قليلة فدفتر كل طفل به 3000 جنيه فقط، . منظومة للحماية هانى هلال خبير حقوق الطفل، يرى أنه يجب ألا يكون يوم اليتيم يومًا واحدًا فى العام، ويستغل هذا اليوم لجمع التبرعات والأموال لبعض الجمعيات، والتى كانت تؤدى يومًا واجباتها تجاه الأيتام، ويرى إذا تلقى من يقوم بانتهاكات ضدهم وسرقة أموالهم حكمًا رادعًا، لكان عبرة لغيره، ولا ننكر وجود دور محترمة ترعي الطفل اليتيم، وهذه النوعية لابد من مساندتها، وهؤلاء لهم نفس الحقوق، ولابد من وضع منظومة كاملة للحفاظ على كرامتهم، فهم مسئولية الدولة لأنها تقوم بدور اسرة، ويجب أن توفر أماكن توؤيهم وحماية حقوقهم بعد سن ال 18، متسائلا : هل الرعاية تتوافر فقط عندما يكون طفًلا التسريح غير قانوني الدكتورة سمية الالفى رئيس ادارة المركزية للرعاية الاجتماعية بوزارة التضامن الاجتماعي، أوضحت أن قانون الطفل لا ينص علي تسريح اطفال بعد 18 سنة من دور الرعاية، وتنص المادة رقم 24 من لائحة مؤسسات الرعاية والخاصة ببرامج الرعاية اللاحقة، على أن المؤسسة تهتم بتقديم خدمات الرعاية اللاحقة للشباب البالغ 18 سنة ومازالوا بالمؤسسة، أو الخريجين من المؤسسة من خلال دور الضيافة وفقًا للمادة 112 لقانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بقانون 126 لسنة 2008، وتنص على أن يخصص فى كل مؤسسة مكان مستقل للرعاية اللاحقة يلحق بها الشباب البالغون أكثر من 18 سنة، سواء ملتحقين بالتعليم أو غير ملتحقين، ويتم مساندتهم لحين استقلالهم عن المؤسسة، واستقرار أحوالهم المعيشية، كما يتحمل الشاب فى حالة التحاقه بعمل بجزء من تكاليف الإقامة والمعيشة فى حدود 10%، وفيما يخص الإناث يتم استقبال بنات المؤسسة اللاتى تخرجن من المؤسسة فى حالة حدوث ظروف اجتماعية طارئة اضطرتهن للعودة للمؤسسة، ويتم مساعدتهن فى توفير وظائف لهن كى يسهمن بجزء من الدخل فى تكاليف الإقامة.