فى الوقت الذى كان فيه الثنائى الشيعى - حزب الله وحركة أمل - يتقاربان ويتماسكان ويزدادان قوة فى الشارع والسياسة، كان التيار السنى فى لبنان ينقسم على نفسه،عقب قبول زعيم تيار المستقبل بصفقة المجيء بالعماد ميشال عون رئيسا للجمهورية مقابل عودة سعد الحريرى رئيسا للحكومة فى 2017. حيث عارض رئيس وزراء لبنان الأسبق فؤاد السنيورة الصفقة علانية،كما عارض وزير العدل الأسبق اللواء أشرف ريفى الكثير من مواقف الحريري، واستقال من الحكومة وقتها،مما جعل الطائفة السنية تبدو متشرذمة وضعيفة، وازداد الانقسام السنى مع إقرار قانون الانتخاب على أساس النسبية الذى وافق عليه الحريري، ورفضه السنيورة وريفى أيضا، ومع إجراء الانتخابات النيابية فى مايو الماضي، لم يترشح السنيورة الذى تباعد عن بيت الوسط بزعامة الحريري، وكذلك فعل ريفى الذى اعتكف فى طرابلس حيث الأغلبية السنية شمال لبنان، واستمر الأمر كذلك بعد تشكيل الحكومة اللبنانية مطلع يناير الماضي، ومع بداية حملة حزب الله على الفساد واتهام السنيورة بتبديد 11مليار دولار، انتفض التيار السنى بزعامة سعد الحريرى رئيس الحكومة ليس دفاعا عن السنيورة فقط ولكن دفاعا عن السنة فى لبنان، فلماذا حدثت الجفوة بين السنيورة والحريري، وكذلك بين ريفى والحريري، وكيف تم الصلح بينهم،فيما بدا أنه عودة للتماسك فى وجه الثنائى الشيعى الذى يزداد قوة ؟ بدأت الجفوة مابين الحريرى والسنيورة بسبب اختلاف وجهات النظر بين القطبين الكبيرين فى الطائفة السنية، فبينما وافق الحريرى على صفقة عون رئيسا مقابل الحريرى رئيسا للوزراء ،رفض السنيورة موافقة الحريرى، الذى رشح من قبل رئيس حزب القوات اللبنانية حليفه فى فريق 14آذار سمير جعجع ،مما اعتبره جعجع انقلابا عليه من حليفه السنى ،فبادر من نفسه بسحب ترشيحه للرئاسة مقابل اتفاق مبادئ مع عون ،وبدأ السنيورة يبتعد رويدا رويدا عن الحريرى بالرغم من أن السنيورة كان زعيم الكتلة النيابية لتيار المستقبل بزعامة الحريري. ومما زاد الطين بلة بين الطرفين، موافقة الحريرى بعد وصول عون إلى الرئاسة، على قانون الانتخاب على أساس النسبية،حيث اعترض السنيورة مؤكدا ان القانون ضد اتفاق الطائف ،وسوف يقلل نسبة النواب السنة فى البرلمان ،وهو ماحدث بالفعل بعد إجراء الانتخابات النيابية مايو الماضى ،وفقد تيار المستقبل بعض المقاعد فى مناطقه السنية، وهو ماأكد وجهة نظر السنيورة الذى لم يرشحه تيار المستقبل فى دائرته المفضلة - صيدا- وسمح له بالترشح فى بيروت وهوالأمر الذى رفضه السنيورة مكتفيا بما حققه من نجاح سياسى من قبل. ولكن بمجرد إعلان حزب الله محاربة الفساد ،واتهام السنيورة ،بادر الحريرى بالتصريح بأن السنيورة خط أحمر ،وكذلك فعل مفتى الجمهورية السنى الشيخ عبداللطيف دريان،وكان موقف الحريرى بادرة طيبة تلقاها السنيورة بصدر رحب،خاصة وان حزب الله لم يقصد غيره بمحاربته للفساد مما يؤكد أن حملة حزب الله سياسية فى المقام الأول انتقاما من السنيورة الذى رفض قبلا مشاركة حزب الله فى الحرب داخل سوريا،كما أن السنيورة هو المحرك الأول لتشكيل المحكمة الدولية التى تحقق فى جريمة اغتيال الحريرى الأب ،والمتهم فيها حزب الله وسوريا. أما وزير العدل الأسبق اللواء اشرف ريفى فقد قام فى 2017 برفع مستوى مواجهة الحريرى واتهامه بالتسويات على حساب المصالح السنية ودماء والده والخضوع لإرادة حزب الله. وبعد عودة المياه إلى مجاريها بين الحريرى والسنيورة سعى الأخير بدعم عربى إلى تصفية الأجواء بين رئيس الحكومة زعيم تيار المستقبل ممثل السنة فى لبنان واللواء أشرف ريفى ،ولم يكن مصادفة أن تأتى زيارة الحريرى إلى منزل السنيورة بعد أن استطاع تثبيت موقعه كرئيس للحكومة محل إجماع من كل الأطراف، ، وهى زيارة لا تمثل حاجة للحريرى أكثر مما هى حاجة للسنيورة واللواء ريفي، وتكشف عن وجود تغيير فى سياسة التعامل مع رئيس الحكومة ،الذى من المفروض أن يمثل مظلة لكل الأطراف السنية، وبالتالى اعترافاً بعدم جدوى كل المساعى التى بذلت من أجل إقصائه او محاصرته أو إخراجه من المعادلة. وتحمل اعترافاً أيضاً بصعوبة الذهاب وراء خيار المواجهة والتصادم والمزيد من الخسائر. ومما لاشك فيه أنه بات من الضرورى أن تعود الأقطاب السنية التى رفعت لواء المواجهة مع الحريرى وسياساته إلى دائرة التعاون فيما بينها ، والعودة إلى حضن الحريرى الذى يشكل حاجة وضرورة لهذه الأطراف وليس العكس، إضافة إلى أن التقارب مع الحريري، يجعل الطائفة السنية فى حالة تماسك . ويعد تخلى ريفى عن المعارضة العلنية للحريري، واختيار منزل السنيورة للقائه، تأكيدا لاعتراف ريفى بالحريرى زعيما وحاضناً للوسط السنى بكل تنوعاته والجهة القادرة من خلال النهج السياسى الذى يعتمده أن يحافظ على الحقوق السنية فى الدولة والإدارة والتمثيل. وقد ظهر السنيورة بمظهر الحريص على لم الشمل بين الأقطاب السنية. وأخيرا استطاع الحريرى أن يلم الشمل السنى فى مواجهة حرب حزب الله ضد السنيورة من ناحية، واستقطاب الصقر السنى فى طرابلس اللواء أشرف ريفى فى صالحه، واسترضاء رئيس الوزراء الأسبق رجل الأعمال نجيب ميقاتى بنصيب فى الوزارة الحالية، وهو الأمر الذى جعل التيار السنى يعيد تماسكه فى مواجهة الثنائى الشيعى بكل مايملك من قوة فى الشارع والسياسة، ويعيد التوازن المطلوب بين السنة ، والشيعة.