لم يفاجأ البعض بتلك القرارات التعسفية من الرئيس الأمريكى ترامب بضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ حرب عام 1967 إلى إسرائيل، فقد جاء ذلك فى أعقاب قرار تعسفى آخر بالاعتراف بالقدس الموحدة المحتلة عاصمة لإسرائيل، لتغيير هوية القدسالشرقية المفترض أن تكون العاصمة الفلسطينية فى إطار حل الدولتين المزمع فى الطرح العربى «الأرض مقابل السلام»، منذ مبادرة خادم الحرمين الملك عبد الله فى قمة بيروت 2002. ويأتى قرار ترامب بضم الجولان ليطرح سؤالا: ما هو القادم من تلك القرارات التعسفية؟ بدعوى الحفاظ على أمن إسرائيل (المطاط) جغرافيا؟ وربما تكون الاجابة هى التوقع بضم باقى أجزاء من فلسطينالمحتلة ذاتها، خاصة الضفة الغربية التى ينتشر فيها سرطان المستوطنات الإسرائيلية بشكل مخطط بما يجعل الفصل بينها وبين أراضى الضفة مستحيلا، وذلك لتكريس أمر واقع ظالم وجائر، وبتشجيع لا محدود من الرئيس ترامب. لقد سبق لإسرائيل إعلان ضم الجولان فى نهاية 1981وهو ما قوبل بالإدانة والرفض الدولى بما فى ذلك الولاياتالمتحدة برئيسها الجديد الداعم لإسرائيل رونالد ريجان، الذى دخل البيت الابيض فى يناير من نفس العام خلفا للرئيس جيمى كارتر الذى بذل جهدا كبيرا لإرساء السلام بين مصر وإسرائيل1979 حيث امتنعت الأطراف العربية من دول الطوق(فلسطين-سوريا-لبنان-الأردن) عن المشاركة فى إطار السلام بين العرب وإسرائيل سواء فى كامب ديفيد، او فى مؤتمر مينا هاوس (تحت سفح الهرم) برعاية الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة، وإن تم مع الاردن لاحقا باتفاق وادى عربة..فهل كانت إحدى فرص السلام الضائعة والتأخير العربى الذى جعل اسرائيل لاحقا ترفض بصلف مبادرة الأرض مقابل السلام فى بيروت 2002 والتى ما زالت هى الطرح العربى حتى الآن. إن القرار التعسفى للرئيس ترامب المجامل والمنحاز الى اسرائيل، يعكس الازدواجية وعدم المصداقية السياسية، فبينما يقدم على ذلك فى الجولان، يرفضه ضد روسيا لضم القرم بدعاوى روسية لأمنها القومى وخاصة العسكرى البحرى لضمان «موانى» لأسطول البحر الأسود، بعد فقد ميناء اوديسا الاوكرانى بتفكك الاتحاد السوفيتى، باعتبار ان القرم ارض محتلة، وان ذلك انتهاك للقانون الدولى والشرعية الدولية، فأين ذلك القانون وتلك الشرعية من موقفه فى الجولان؟! إنه الإنحياز التام لإسرائيل. اعتبرترامب أن قراره يؤمن الشمال الإسرائيلى الذى بات مهددا نتيجة الوجود الإيرانى فى سوريا على خطوط التماس الحمراء، رغم أن التواجد الايرانى ثم الروسى لاحقا جاء بدعوة من القيادة السورية لمواجهة الازمة ومحاربة الارهاب. وقد شكل الوجود الايرانى والروسى نوعا من التحالف الاستراتيجى (المرن) الذى قد ينتهى بانتهاء الأزمة، ليحل محله نوع من التعاون والتنسيق طبقا للمصالح المشتركة للمرحلة التالية، كما أن التهديد العسكرى الايرانى الحالى من سوريا، تتوافر له اسلحة تقليدية (خفيفة-دبابات-مدفعية..الخ) قد يكون أقل تأثيرا بالمقارتة بالترسانة الصاروخية الايرانية متدرجة المدى حتى 1200 كم والتى يمكن اطلاقها من الاراضى الايرانية لتغطى معظم الاراضى الاسرائيلية، وفى حالة الاطلاق الكثيف فإن جزءا كبيرا منه سوف ينفذ من المضادات الصاروخية بما فيها القبة الحديدية..إذن التهديد الإيرانى المؤقت فى سوريا ماهو الا ذريعة. وبنفس الذرائع يمكن اعتبار الجنوب اللبنانى وحزب الله وماحصل عليه من صواريخ ايرانية عبر سوريا، هو مهدد للشمال الاسرائيلى كثيف السكان والاهداف الاستراتيجية، لذلك يفترض سيناريو يمكن معه اختلاق ذرائع لعمل عسكرى إسرائيلى يؤيده ترامب ليتم احتلال الجنوب اللبنانى بما فيه مزارع شبعا، ثم يصدر قرار تعسفى آخر من ترامب بضم الجنوب اللبنانى الى اسرائيل لحماية أمنها المطاط. لذلك تستدعى الذاكرة موقف الرئيس الراحل أنور السادات وبعد نظره، وكيف بنى على النصر العسكرى فى حرب أكتوبر73 المجيدة، نصرا سياسيا بدأه بخطاب القوة فى الكنيست انتهاء بالانسحاب من باقى سيناء بما فى ذلك بقعة طابا(4.5)كم2 بعد التقاضى الدولى لقرابة 8 سنوات! ليعطى المثل أنه لا تفريط فى تراب الوطن، ليقاس عليه ما هو قادم سواء فى فلسطين او الدول العربية الاخرى.. لذلك سيبقى للدولة السورية وفى الاطار العربى، كل الحق واستخدام جميع السبل لتحرير الجولان المحتل وعودته إلى الوطن الأم مهما طال الزمن.. --------------------------- أستاذ الأمن القومى لمزيد من مقالات لواء أح د. محمد قشقوش