بعد مرور أزيد من شهر على اندلاع المظاهرات الشعبية فى الجزائر، لايزال آلاف الجزائريين يواصلون احتجاجاتهم السلمية المطالبة بالتغيير السياسي، بعدما فشلت الحكومة الجزائرية فى إقناع المحتجين والمعارضة، على حد السواء، بجدية وحسن نيات قراراتها القاضية بتشكيل حكومة كفاءات وطنية منفتحة على جميع الأطياف السياسية والشباب والمرأة, كان من المفترض إعلان تركيبتها يوم الخميس الماضى بهدف وضع نظام سياسى جديد فى البلاد. ومع مقاطعة 13 نقابة لمشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، واتساع قائمة المقاطعين لها من الاحزاب المعارضة، واستمرار ضغط الشارع ورفضه لخريطة الطريق التى أعلنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تكون الأزمة الجزائرية قد دخلت فى مفترق طرق صعب التكهن بما سيؤول إليه. فالشعب الذى رفع من سقف مطالبه، لم يعد يكتفى فقط برفض العهدة الخامسة او رفض تمديد العهدة الرابعة، بل أصبح اليوم يطالب برحيل النظام السياسى برمته، بعدما عبر عن عدم ثقته فى وعود الحكومة بتبنى إصلاحات سياسية شاملة. أما أحزاب المعارضة، فربما ترى ان لا مصلحة سياسية لها فى الجلوس على طاولة الحوار مع سلطة بدأت تتلاشى وتفقد خيوط اللعبة من بين يديها، وهذا ما دفعها الى عرض خريطة طريق بديلة. اما النظام الحالي، فبالتأكيد سوف يتشبث بالسلطة حتى آخر رمق. مع هكذا وضع، تبقى كل الاحتمالات مفتوحة بخصوص المشهد السياسى الجزائرى مع نهاية ولاية الرئيس الجزائري، فى نهاية ابريل المقبل، خاصة أن الحراك الشعبى لا يمتلك المقومات الحقيقية لبديل للنظام القائم، ما يعنى أن الدولة العميقة ستسعى بكل السبل الى الحفاظ على موقعها وامتيازاتها، وان تطلّب منها الأمر تجديد دمائها وإعادة بناء هيكلها ضمن قالب جديد. أما باقى الأحزاب فستسعى الى استغلال هذه المحطة التاريخية من أجل تحقيق بعض المكتسبات ولما لا الوصول الى السلطة. اما الاسلاميون فسيركبون الموجة لا محالة، وقد بدأوا اختراق الاحتجاجات وحضور اجتماعات المعارضة فى محاولة للعودة الى المشهد السياسي. فقد ظهرت بعض الشخصيات، التى كانت حتى وقت قريب ممنوعة من النشاط السياسى بسبب اتهامها بالإرهاب خلال العشرية السوداء، على الساحة السياسية من جديد، ومنها كمال قمازى وعلى جدي، أحد زعماء حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحل، اللذان شاركا، خلال الأسبوعين الماضيين، فى اجتماعات للمعارضة بمقر حزب طلائع الحريات، الذى يترأسه رئيس الحكومة الأسبق، على بن فليس. وهى المشاركة التى يمكن تفسيرها بأنها محاولة لإعادة تشكيل المشهد السياسى الجزائرى وتمهيد لعودة الاسلاميين. فمنذ سنوات واسلاميو الجزائر يحاولون تسويق خطاب معتدل لاستقطاب الناخبين وطمأنة الجزائريين، وإظهار قدرة على الاندماج داخل النسيج الوطنى بعيدا عن لغة التطرف والعنف الأيديولوجى الذى كلف الجزائر غاليا بعد إلغاء الجيش لنتائج انتخابات 1991 . وكان اول اختبار حقيقى لهم غداة الاحتجاجات التى شهدتها مدن جزائرية، الصيف الماضي، والتى رفعت شعار تحسين الظروف المعيشية للسكان، قبل ان تتحول الى حركة نجحت، فعلا، فى منع تنظيم حفلات فنية وفعاليات ثقافية، كان مخططا لها سلفا، وإقامة الصلاة وتلاوة القرآن بدلا عنها، مما اُثار وقتها المخاوف من عودة تيار الاسلام السياسى إلى الواجهة. وربما ستزداد هذه المخاوف أكثر الآن، خاصة اذا استطاعت الاحزاب الاسلامية تجاوز خلافاتها والتكتل ضمن جبهة واحدة. اما الجيش فهو ينتظر التدخل فى الوقت المناسب لمنع أى فوضى وحفظ الأمن، كما سبق أن عبر رئيس الأركان الجزائرى فى تصريحاته ورسائله الموجهة لأكثر من جهة، قائلا: بعض الأطراف يزعجهم أن يروا الجزائر آمنة ومستقرة، بل يريدون أن يعودوا بها إلى سنوات الألم، وسنوات الجمر التى عايش خلالها الشعب الجزائرى كل أشكال المعاناة، وقدم ثمنا غاليا. وأضاف: إننا ندرك أن هذا الأمن المستتب، وهذا الاستقرار الثابت الركائز، سيزداد تجذرا وسيزداد ترسخا، وسيبقى الجيش الشعبى ممسكا بزمام إرساء هذا المكسب الغالى الذى به استعاد وطننا هيبته. وربما سيذهب تدخل الجيش لأبعد من ذلك، وهذا ما ستكشفه الايام المقبلة. لاشك ان بعد كل ما مرت به الجزائر من حرب أهلية وتداعياتها الكارثية. وبعدما حلّ بالمنطقة من تدهور اوضاع سياسية واقتصادية وأمنية بعد 2011، فالجزائريون لا يرغبون فى تكرار التجربة والمخاطرة بما يمكن أن يعرض استقرار وأمن بلدهم للخطر. ومن المفروض أنه ليس هناك أى مصلحة عربية او دولية فى تأجيج الوضع فى الجزائر، فالمنطقة ليست فى حمل أى فوضى جديدة، لن تؤثر فقط فى الداخل الجزائرى بل سوف تمتد شرارتها الى محيطها الاقليمى والمتوسطي، وهذا ما يفسر موقف الدول بعدم التدخل فى الشأن الداخلى الجزائري، وحذر وسائل الاعلام المختلفة فى نقل الاحتجاجات الجزائرية. كل ما نأمله هو أن يستفيد الجزائريون من تجربة الماضى ودروس الحاضر، ويوفقوا فى اختياراتهم، وينتصروا للحكمة ومصلحة الوطن. لمزيد من مقالات وفاء صندى