طالبنا كثيراً وطويلاَ للمرأة بالمساواة والمشاركة واليوم ونحن نعيش ظروفا جديدة وواقعا مختلفا أصبح علينا أن نطالب لها ونطلب منها. والمساواة لا يقصد بها توزيع المناصب على الجميع دون تفرقة. انها المساواة بين جميع من لديهم المؤهلات العلمية والأخلاقية والمهنية المطلوبة لأداء العمل وانجازه بأفضل صورة ممكنة. من هنا فإننا إذا اردنا أن تتولى المرأة مناصب أو اعدادا أكبر فى بعض المناص ب علينا أولاً تهيئتها بالقدرات اللازمة لهذه المشاركة. فى منتصف السبعينيات، بعد أن ثبت أن مشاركة المرأة إحدى ركائز تحقيق التنمية، أصبحت قضية المرأة من أهم ما يشغل المفكرين والرأى العام العالمى،. شكلت الأممالمتحدة لجنة خبراء تنمية المرأة ومؤسساتها لم يكن هدفها مجرد المطالبة بالحقوق وزيادة اعداد المشاركات فى المناصب. كان هدفها رباعيا. وضع الإطار القانونى للمساواة، تهيئة الفرص المتكافئة، تصحيح صورتها فى المجتمع وقبل كل ذلك تنمية قدراتها ورفع مستوى حياتها لتصبح مؤهلة لشغل المناصب. وهذا أمر منطقى فإذا كانت نسبة أمية المرأة 85% ونسبتها فى الرجال 45% فلا تجوز المطالبة بأن تصبح 50% من البرلمان قبل تأهيلها وإعدادها للقيام بمسئولياتها بدرجة عالية أو مقبولة من الكفاءة.. وهذا ما يقصد بعبارة تمكين المرأة الذى يرفضه بعض الرجال ظناً منهم أن القصد منه هو تقويتها فى مواجهة الرجل بينما هو يعنى تمكينها من القيام بدورها والمشاركة فى جهود التنمية سواء عملت خارج المنزل أو داخله ومواجهة المشكلات والتصدى لكل ما يخل بالأمن والاستقرار.. الوسيلة المثلى لإثبات قدرات المرأة هى أن تكون فعلا كفؤا. إعلان مؤسسة تمويل دولية أن التمثيل النسائى فى الشركات يرفع معدلات النجاح أقوى من مئات الخطب. ذلك الإعداد المطلوب هو البداية الصحيحة لحصولها على حقوقها كما أن إقدامها بالفعل على المشاركة يؤكد قدراتها. خلال السنوات الخمس الماضية طرأ على ساحة المرأة أمران: نزلت جموع المرأة من كل الفئات بالملايين وشاركت بتلقائية ووطنية فى اختيار نظام الحكم. رفضت نظاما يقوم على الاستبعاد والتعصب والعنف وأعطت صوتها لمن يستحق، ولنظام دستورى يقوم على الاستقرار والأمن والمساواة. أثبتت أنها تتمتع بحس سياسى فطرى، ووطنية صادقة. تصدت الكثيرات منهن بشجاعة لدعاة العنف والتفرقة وأثبتت أنها إذا ما تهيأت علميا ومهنياً يمكنها أن تتحمل المسئولية أسوة بالرجل. الأمر الثانى ، هو اهتمام رئيس الدولة شخصيا بأحوالها وتقديره دورها فى التنمية وثقته فى قدراتها والحفاظ على مكانتها وكرامتها. موقف تجاوز الحديث عن حقوق المرأة وتمكين المرأة إلى مبدأ احترام المرأة الذى يتضمن كل التعبيرات الأخرى وسبق أن تناولناه فى مقال سابق. بسبب هذين الأمرين تحسنت صورة المرأة فى المجتمع بدرجة كبيرة سوف تزداد كلما زادت قدرتها على تحمل المسئولية والمساهمة فى التصدى لمشكلات الوطن.. كانت قضايا المرأة من اهتمامات القيادات النسائية وزوجات القادة. اليوم رئيس الدولة شخصياً يهتم بأحوالها فى إطار اهتمامه بكل فئات المجتمع على اختلاف عقائدهم الدينية والحزبية وأحوالهم المادية والصحية. الرئيس الإنسان جعل جموع المرأة بغض النظر عن حالتها الاقتصادية والثقافية والتعليمية والمهنية تشعر بكرامتها وآدميتها وكرامتها. لا غيب عن ذهنى صورة السيدة المسنة المريضة الحزينة التى ارتسمت على وجهها خطوط الألم والأسى، أم الشهيد التى شكرها الرئيس ثم بتلقائية قبل رأسها. تطلعت اليه بمحبة وكأنه ابنها الذى فقدته وانفرجت أسارير وجهها بابتسامة صادقة. رسم الابتسامة على وجه حزين سلوك نبيل يتفق مع صحيح الأديان. قالوا عن الرئيس إنه ينجز ما وعد، لكنى أقول إنه ينجز أكثر مما وعد. جاء فى تقرير التعبئة والإحصاء أن عدد القاضيات بلغ 66 قاضية، وفى السلك الدبلوماسى نحو 45% وارتفع فى مجالس ادارة المؤسسات الصحفية إلى 12.5% كما أصبح لدينا ثمانى وزيرات ونحو 89 نائبة! يهمنى فى إطار هذا الحديث ما جاء فى التقرير بأن عدد الفتيات المقيدات بالتعليم أصبح 49.2% مقابل 50.8% للذكور والتعليم هو أول خطوة فى مسيرة تأهيل النساء لتولى المناصب استكمله إنشاء منظمة لمنع التمييز والفرص المتكافئة. هذا الحديث لا يعنى التراخى أو عدم الإصرار على أن تحصل المرأة على حقوقها كاملة. إنه دعوة لكل امرأة، ولكل من يؤمنون بحقوقها ويحترمون قدراتها، لكل مؤسسة ومنظمة تطالب لها بالمساواة، ندعوهم جميعاً الى الانتقال من التركيز على المطالبة وحدها إلى الاهتمام بالعطاء والمشاركة وأن تتضافر جميعها لتقوم بحملة قومية لها هدفان أحدهما تنمية قدرات المرأة وتأهيلها والآخر تفعيل مشاركتها فى حل المشكلات التى لها دور أساسى فى الحد منها مثل ترشيد استهلاك المياه أو الطاقة أو الإدمان أو نشر ثقافة الأسرة الصغيرة أو النظافة وفرز القمامة وأهمية تعليم الفتيات وحماية القاصرات.. وغير ذلك كثير. فى اجتماع حضره الرئيس العام الماضى طرح هذا الاقتراح وبالفعل شكلت بعض النساء جماعة للتوعية بقضية ترشيد المياه وقمن ببعض الجهد فى هذا المجال من تنظيم اجتماعات ونشر مقالات.. الخ. كان العمل على نطاق محدود. نأمل هذا العام أن يتسع نطاق المشاركة فى حملة موسعة لمواجهة واحدة أو أكثر من التحديات التى تواجه المجتمع تشارك فيها جموع المرأة ومؤسساتها على أن يشارك الشباب الذى لا يدرك الكثير منه أنه أوفر حظاً من جيلنا الذى كافح طويلاً ولم تتحقق أغلب مطالبنا إلا فى عصرهم، وعليهم استثمار طاقاتهم فى المشاركة لتحقيق الأهداف التى يطالبون بها لكنهم لا يعملون لأجلها. علينا جميعاً أن ننتقل من مرحلة الإكتفاء بالمطالبة إلى مرحلة العطاء والمساهمة ثم فى مارس القادم نقدم لمصر حساباً عما تم انجازه. حفظ الله مصر نساءها ورجالها وشبابها. لمزيد من مقالات د. ليلى تكلا