إذا كان هذا هو القرد.. الذى أصبح رفيقى فى كل جولاتى الهندية فى الشوارع والمتاحف والجوامع، فأين الفيل؟ ألم نكن نطلق عليها بلاد الهند والسند وبلاد تركب الأفيال، أين الأفيال؟! حقيقى إن من أسباب رحلاتى الآن إلى البلاد التى لم أرها هو رؤية معالمها السياحية، إلا أن التعرف على البشر يقع فى المرتبة الأولى. وهناك وجدت بشرا يسمحون بتجول القط بجانب القرد والكلب يرعاهم بنباحه، الذى لا يفر منه الحيوان ولا الإنسان الكل فى واحد.. طلب منا الحاج أنور المرشد الهندى المسلم الذى أخذ يعتذر فى أوقات الراحة ليذهب للوضوء والصلاة، ثم يعود ليتحدث بفخر عن المعابد الهندوسية والبوذية واندماج الحضارات. اشتد الحر وأصبحت أبحث عن مظلة تحمينا، وفجأة وبدون مقدمات وجدت غمامة طول بعرض، وعندما رفعت رأسى صاحبتنى تغريدة العصافير وانبثقت من خلالها. الببغاوات الملونة الخضراء تحيط بأطول وأكبر مأذنة رأيتها فى العالم.. وعندما سألت، أكد لى الحاج أنور أنها بالفعل أطول مئذنة مبنية بالطوب فى العالم، وتسمى قطب مينار على ارتفاع 7205 أمتار! بدأ بناؤها عام 1193 طبقاً لأوامر حاكم الهند الإسلامى الأول قطب الدين إيباك، وتم الانتهاء من الطابق العلوى من المئذنة فى عام 1386، من قبل فيروز شاه توغلوك. وهى أكبر مثال على الهندسة المعمارية الهندية الإسلامية، التى تفوقت من وجهة نظرى عن كل المعمار الهندسى الإسلامى فى العالم كله! وهذا ما لم أكن أتوقعه أبداً! بل لم أكن أعلم أن بالهند ثقافة إسلامية أو حتى معمارية، وأن نسبة المسلمين والمسيحيين فيهم، تتفوق على أى نسب أخرى عالمية، حتى ولو كانت نسبتهم ضئيلة فى الهند! فالحكاية كلها نسبة وتناسب. وقبل أن أضرب وأجمع وأطرح، وهذا مجال لا أتقنه، سمعت زقزقة بطنى تتنافس مع زقزقة العصافير حول الببغاوات، ولم تكن تلك العصافير تنطلق منى وحدى، إنما طارت وعلا صوتها مع أصوات عصافير بطنى بقية. وإلى مطعم سفينة القراصنة أو تشور بيزارى بمعنى اللص الغريب، اتجهنا وتذكرت مطاعمنا فى باب الفتوح ومصر القديمة وشارع المعز، إلا أننا لا نقول عليها إنها أفضل المطاعم، لكن فى الهند قالوها.. وبكل صراحة.. أنا لا أفهم ولا أحتمل كثرة التوابل فى المطبخ الهندى.. ولا أحتمل تكرار أكل الدجاج حتى كدت أفقس فى كل وجبة. وجلست والعصافير تزقزق فى حالة جماعية مهيبة فى مطعم اللص أو سفينة القراصنة، لنأكل ما لذ وطاب مما لم نفهمه مع توابل من حرائق الشطة وقرون الفلفل، وتحذير تام من صاحب السفينة إذا شعرت أن الحرائق تكاد تقتلك، فما عليك إلا إطفاؤها بالزبادى المخلط بالنعناع، وحذار أن تلجأ إلى المياه.. واستمرت سلاسل الحرائق الطعامية إلى أن جاء الحلو.. طبق صغير جدا جدا لكل مواطن، وفاكرين فؤاد المهندس فى مسرحية أنا فين وأنت فين؟ عندما قال طعمياية.. فقد فتحنا طبق الحلو الذى عشنا على أمل إطفاء حرائق معدتنا فيه، فلم نجد إلا لقمة القاضى، واحدة فقط لا غير مغموسة فى الشربات، وهنا سادت حالة من التوتر العصبى السياحى المصرى، لم يطفئها إلا «ور تانى» من لقمة القاضى وأكواب الزبادى. وصدق من قال مطعم اللص الريان. لمزيد من مقالات دينا ريان