لا يعرف قيمتها الحقيقية إلا من حرم منها ومن دعائها وحنانها الأم التى أوصى بها الله عز وجل فى كتابه الكريم وجعل الجنة تحت قدميها وأوصى الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال لسائل عن أحق الناس بحسن صحابته قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك، كانت الوصية تقديرا لمكانة الأم التى لعبت دورا مهما فى حياة كل إنسان، فليس هناك فى العالم حضن يتسع للحزن والفرح أكثر من حضن الأم ، وربما لا يعرف الكثيرون حجم الحب الذى يكنه قلب الأم إلا بعد ان يتزوج وينجب أبناء سيعرف مقدار الحب الذى يكنه الآباء والأمهات لأولادهم وبعد وفاة الأم يتمنى كل الأبناء أن تعود أمه للحياة ليقبل رأسها ويقول لها سامحينى على كل وقت قصرت فيه تجاهك. تصف النائبة أنيسة حسونة، عضو مجلس النواب، الأم بأنها قيمة كبيرة ومن الصعب وصفها بالكلام، لأنها تظل فى حياتنا حتى بعد رحيلها وتكون دائما موجودة فى كل محنة وكل كرب وأيضا فى كل حادث سعيد، وأحيانا اشعر بأن امى مازالت موجودة فى الحياة وقد كانت صديقتى، أتحدث معها فى مواقف كثيرة، امى كانت بالغة التأثير فى حياتى وكان لها دور كبير فى تكوين شخصيتى والاعتماد على النفس وتحديد اهدافى فى الحياة والسعى لتحقيقها دون يأس من أى عقبات قد تواجهني. وتفتح حسونة صندوق الذكريات وتقول: والدتى كانت طبيبة أطفال ورغم ذلك أصرت على حضور ولادة بناتى فى غرفة العمليات رغم أنها طبيبة أطفال ، ونحن كأسرة كنا متماسكين جدا وكنا أربع بنات وكنت أكبرهن وكان ارتباطى بها كبيرا جدا وأتذكر أن والدتى كانت تحاول دائما ان تكون صديقة لنا وتشاركنا فى شراء ملابسنا و كانت تحيطنا دائما بالرعاية والمتابعة فى ظل اهتمامات والدى وأعباء عمله تأخذ وقتا كبيرا منه فقد كان وزيرا للعدل وقبلها كان محافظاً لأكثر من محافظة فى الصعيد وأيضا فى بورسعيد وهو من أنشا المنطقة الحرة فى بورسعيد فى عهد الرئيس عبد الناصر فى الستينيات وقبل ذلك كان قاضيا فى غزة وأسره الجيش الإسرائيلى عام 1956 وشارك فى وضع الدستور الفلسطينى رحمه الله وكان أبى حنونا جدا علينا. وأتذكر نصائح أمى فى أول خلاف بينى وبين زوجى فى بداية حياتى الزوجية قالت لى إن الزوجة هى المسئولة عن الأسرة وعن نجاح الحياة الزوجية واستمرار الحياة وهى القادرة على احتواء المشاكل وحلها مع زوجها وأولادها ووالدتى كانت عندما يتحدث أبى لا تقاطعه ابدا. وعن هديتها فى عيد الأم قالت حسونة: «الزهور» هديتها المفضلة فهى كانت تحب الزهور جدا، ودائما كان الورد بكل أشكاله يملأ المنزل فى عيد الأم وكان والدى دائما حريصا على وجود الزهور بالمنزل وكانت أمى ترى أن الهدية ليست فى قيمتها بقدر معناها وكنا نرى الفرحة فى عينيها عندما تجدنا سعداء ومجتمعين معا ، وهذه الطقوس مازالت قائمة فى اسرتى حتى الآن مع بناتى ومازالت هذه العادات مستمرة وبنانى واحفادى يحضرون لى الزهور وهدايا فى عيد الأم، انصح كل إنسان ان يبر بوالدته ويظل تحت قدميها، لأنه لن يعرف قيمتها الا حينما تغيب ووقتها سيندم على كل لحظة فرط فى القرب منها. الشاعر جمال بخيت أول قصيدة خواطر شعرية كتبها وهو طالب فى الصف الأول الإعدادى كانت والدته اول مستمع لها وهى التى شجعته على القراءة وكتابة الشعر وقالت له «ده كلام حلو وجميل يا جمال»، اى كلام تكتبه لازم تقراه لى علشان أقولك رأيى وكانت كلماتها دفعة قوية لى فى بداياتى فى كتابة الشعر، وأصبحت أمى هى المتلقى الأول لأى شعر أكتبه لسنوات طويلة، و كانت مثالا للحب والعطاء والحنان. ويتذكر بخيت كلماتها رغم أننا اسرة كبيرة مكونة من 12 ولدا وبنتا إلا أن أمى لم تكن تفرق بيننا فى المعاملة وكانت تقول ان أحمد أخى الأكبر هو والدها وجمال هو امى وكانت تعلن ذلك امام اخوتى، لأننى كنت مرتبطاً بها جدا وأمى تمثل قيمة كبيرة فى حياتى الشخصية والعملية ورغم أنها لم تكمل تعليمها وخرجت من المرحلة الابتدائية فإنها علمت نفسها وحفظت القرآن وكان لديها مخزون من الأمثلة الشعبية وتقوم بالتعديل فى بعضها بفطرتها وتعلمت منها الكثير ولا أنسى احد الأمثلة التى كانت ترددها «ادى لعيلى تمرة تنزل حلاوتها فى بطنى» فكان لها معنى وفلسفة فى الحياة والحب لأبنائها. ويقول بخيت: أمى لم تغب عنى فى حياتى صغيرا ولا بعد ان تزوجت وأصبحت رب اسرة، فكانت لها غرفة خاصة تحضر فيها فى الوقت الذى تراه وتعود بعدها الى بيت العائلة وأول قصيدة كتبتها لوالدتى قصيدة «دعوتى فى الفجر يامه تسلميلى فى كل ضمه تسلم العين اللى حبت تسلم الإيد اللى ربت يسلم القلب اللى سمى» أغنية الفنان الكبير على الحجار والحان الموسيقار محمد أمين وكانت امى سعيدة بهذه القصيدة جدا وأيضا كتبت قصيدة أخرى « يا رتنى حضنتهم « وكتبتها لأمى وأبى للفنان أحمد الجراح وكنت أرى الفرحة فى عين امى ليست فى الهدايا التى نحضرها لها فى عيد الأم ولكن فى جمعها للعيلة وهذا أكثر ما كان يسعدها ورغم أنها حجت بيت الله ولكن هديتى لها فى أداء العمرة تستقبلها بسعادة غامرة رحمها الله بقدر تربيتها لنا وتفانيها فى العطاء لأولادها.