شهد الأسبوع الماضى مجموعة من العمليات العنصرية تتعلق بالإرهاب، بدءا بمذبحة نيوزيلندا، التى كثيرا ما اقترن تاريخها الحديث بالأمان والتسامح، الى عمليات متفرقة فى بريطانيا منها عملية طعن قالت عنها شرطة مكافحة الإرهاب إنه بدافع الإرهاب وإن الهجوم كان يستلهم الأفكار اليمينية المتطرفة. العملية الاولى استهدفت مسلمين فى اثناء أدائهم صلاة الجمعة، وكان منفذها من المتعصبين للتفوق العرقي، وعلى الرغم من أنه ادعى أنه لم يتخذ قرارا بشأن ما إذا كان مسيحيا، الا انه فى البيان الذى نشره، استعمل صورا مسيحية، وبرر جريمته من الناحية الدينية، كما انه لم يستهدف أفارقة سودا ولا آسيويين صفرا، بل استهدف مسلمين ما يعنى ان العامل الدينى حاضر بقوة. والعملية الثانية لا تفاصيل كثيرة عنها سوى انها بدوافع عنصرية. المحرك المشترك بين هذه العمليات وبين كل الجرائم الإرهابية هو ذات الحقد والكراهية والرغبة المتوحشة فى قتل الأبرياء دون وجه حق، سوى لأنهم يمثلون دينا معينا. فالعنف ضد المسلمين يعكس التداعيات الوخيمة للاسلاموفوبيا وشيطنة الإسلام والمسلمين مع ارتفاع مستوى الخطاب الشعبوى فى السياسات الغربية، بدءا من صعود اليمين المتطرف كقوة سياسية فى أوروبا والدول الغربية عموما استطاعت اختراق البرلمان فى ألمانيا وبصورة مشابهة فى ايطاليا والمجر وبولندا، ووصولا لانتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة. والعنف ضد الغرب يعكس حقد من ينسبون أنفسهم إلى الإسلام، ورغبتهم فى الانتقام من العدو الكافر سواء كان قريبا او بعيدا، بعدما تمكنت حركات الإسلام السياسى والجماعات الإرهابية من شحن عقول الشباب بأفكار متطرفة وأوهمتهم بفضل الجهاد ونعيم الشهادة. وبين مختلف هذه الجرائم، فإن الإسلام هو الضحية، مرة عندما يقتل الانسان لا لشيء سوى لانتسابه له، ومرة اخرى عندما ترتكب جرائم باسمه، ومرة ثالثة عندما يكون محل شيطنة واتهام دائم بأنه أساس التطرف فى العالم ومحركه. والحقيقة ان الاسلام بريء من كل ما ينسب إليه من أقوال وأفعال إرهابية، وإن كان ليس هنا مجال للدفاع عنه، وليس الوقت مناسبا، ايضا، لتبادل الاتهامات او رمى المسئولية على جهة دون الاخري، بل إن هذه اللحظات العصيبة هى فرصة للاعتراف بأن التطرف بجميع انواعه، بات آفة تهدد مستقبل الإنسانية، ولا بد من تحمل المسئولية المشتركة للوقوف ضد هذا الخطر المتزايد. ما ورد بأن مهاجم نيوزيلندا يؤمن بتفوق العرق الأبيض ويكره المهاجرين او الغزاة المسلمين الذين يحتلون الاراضى الاوروبية، كما أطلق عليهم، وما يرد عن مرتكبى الهجمات ضد الغرب بكونهم يؤمنون بأنهم مسخرون لنصرة الإسلام، وأن ما يقومون به هو جهاد ضد العدو، هما وجهان لنفس العملة الموغلة فى التطرف. فالأيديولوجيتان، اليمين المتطرف والإسلام المتطرف، على الرغم مما يمكن ان يقال عنهما بأنها نقيضان، إلا أن وسيلتهما فى التعبير واحدة، ورؤاهما للعالم متشابهة، وإحساسهما بالتفوق الذاتى مقابل دونية الآخر واحد، وحنينهما الى الماضى كما يتصورونه فى مخيلتهم هو طريقهما للهيمنة الثقافية، وتبريرهما لجرائمهم من الناحية الدينية، هو أيضا واحد. والمطلوب أن ينهض قادة العالم للتصدى لهذه الأيديولوجيات المفعمة بالكراهية، ويتوقف عن التعاطى مع جرائمها بازدواجية كتصنيف الاعمال المرتكبة بإسم الاسلام «عمليات إرهابية» والاكتفاء بتصنيف العمليات المرتكبة باسم العرق الأبيض او اليمين المتطرف بكونها مجرد جرائم او عمليات إطلاق نار. فالضحية هنا إنسان وهنا إنسان، لكن الانتقائية فى التعاطى مع نفس الجرائم، وان اختلفت محركاتها وأيديولوجياتها، كفيل بايجاد المزيد من الكراهية التى ستغرق العالم فى آتون حرب لا حدود لها. إن أى فعل يستهدف أمن واستقرار الإنسان، أيا كان دينه ولونه، والرغبة فى خلق الذعر فى نفوس الأبرياء هو إرهاب يستهدف الأمن العالمي، ويستهدف قيم التسامح والمشترك الإنسانى المبنى على التعايش والحوار وقبول الآخر والتدبير الجيد للاختلاف. واى خطاب يدعو الى الكراهية وإقصاء الآخر ومعاداته او شيطنته او تكفيره هو تطرف مقيت لا بد من التصدى له. فالأديان لم تأت لتفرق وإنما لتؤكد القيم الإنسانية الجامعة، حيث لا أحد بديلا عن الآخر، إنما الجميع مكملون لبعضهم البعض، ضمن نسيج إنسانى كان من المفروض ان يتقبل الاختلاف ويتعايش معه فى سلم وأمان، بدل ان يمتطى عليه لنشر التفرقة والكراهية فى سبيل تحقيق مصالح ضيقة. قد يؤمن حملة الفكر المتطرف، من هذا القطب او القطب الآخر، بمعركة ضخمة بين الغرب المسيحى والإسلام، لكن يجب ان نعترف بأن أساس الصراعات فى العالم هى حول المصالح وليس الأيديولوجيات. وإذا سيطر المتطرفون على العالم فسوف يقومون بتمزيق مجتمعاتهم وسيدخلون الجميع فى كراهية ودوامة تطرف وتطرف مضاد، وما علينا سوى التصدى لهذا الخطر القادم بجميع الوسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية لتجنب الوقوع فى الكارثة. لمزيد من مقالات وفاء صندى