* جميلة : كفوفنا ذابت من الصيد فى مياه المصرف * نور حصيلتها اليومية 20 جنيها ..وصباح أجبروها على الصيد رغم مرضها * أم السعد سعيد : «مرضت وتعبت ونفسى أعيش زى الناس واتفسح»
هى مهنة ذات طبيعة خاصة تحتاج إلى قوة بدنية عالية كما تحتاج إلى الصبر الجميل وقوة تحمل ومهارة خاصة، حيث لا يتم الصيد فيها عن طريق رمى الشباك أو باستخدام «سنارة» أو أى آلة صيد كما جرى العرف فى مهنة الصيد فى البحر ،ولكنها تقوم على جمع الأسماك من المصارف بكفوف الأيادى الناعمة فى معظمها ! هذه المهنة الخطرة التى تعتمد على التقاط السمك العائم فى المصارف تعرفها بالتحديد نساء قرية مزروعة التابعة لمركز الرياض بمحافظة كفر الشيخ، حيث تمارسها النساء بمفردهن - أو بصحبة أزواجهن وأولادهن- سابحات لصيد الأسماك بطرق تقليدية، ابتكروها بأنفسهن أبا عن جد ، لتحدى الظروف المعيشية الصعبة، وهى مهنة تعتمد على السباحة فى المصارف ساعات طويلة منذ شروق الشمس. كما انها المهنة الوحيدة المتاحة أمامهن لكسب الرزق، حيث تكفل لهن بضعة جنيهات من ثمن بيع هذه «البسريات» أو الأسماك الصغيرة، واللاتى قد يحصلن على بعض منها لطعام العشاء عقب نهاية يوم شاق من العمل . ومع كل طلعة كل شمس تذهب نساء قرية مزروعة دون أدنى سقف للرعاية - للصيد فى المصارف غير المجهزة فتجوبه الصيادة عدة مرات وتقضى كثيرا من الساعات إلى أن يرزقها الله بحفنة من الأسماك الصغيرة وإلا عادت خالية اليدين. نساء قرية مزروعة وتتعرض المرأة فى قرية مزروعة ، التى قد لا تلحظها فى خريطة كفر الشيخ ، للكثير من المخاطر الصحية والأمراض الفتاكة فهى عرضة للإصابة بالبلهارسيا وامراض الكبد لنزولها الترع والمصارف بشكل منتظم . قرية مزروعة لا يوجد بها أى مستشفى ويبعد أقرب مستشفى على مسافة مسير ساعتين بسيارة الإسعاف ؛ التى غالبا ما ترفض ان تأتى لهذا المكان النائى، كما تقول جميلة عبد الفتاح (45 عاما) أم لأربعة أطفال : تعلمت الصيد منذ عشرين عاما تحملت فيها الكثير من الشقاء، وقمت خلالها بالتعاون مع زوجى فى الصيد بكفوفنا حتى ذابت من أثر المياه ووضع الأسماك فى «شيكارة» عبارة عن «كيس» بلاستيك ضخم وذلك بنزول الترع والمصارف منذ الساعات الاولى حتى غروب الشمس نلتقط الأسماك الصغيرة مهما كانت الأجواء حارة او قاسية البرودة .. فنحن فى أشد الحاجة للجنيهات القليلة التى تأتينا من بيعها على الطريق فور اصطيادها وقد لا نحصل على أى منها بعد يوم كامل من السباحة بطول المصرف ومطاردة الأسماك الهاربة . تضيف جميلة : إنها مهنة قريتنا لا نجيد سواها توارثناها أبا عن جد، وتسبب لنا كثيرًا من الأمراض فقد سببت لى منذ سنوات حساسية الصدر ، وهذه مهنة آبائنا من قبلنا ولا نعرف سواها.. «ما باليد حيلة». أما نور عبد الملاك (50 عاما ) فتقول: «أنا أصطاد الاسماك من المصارف من سنوات طويلة منذ ان كنت طفلة وتركنى قطار التعليم ..وحصيلتى اليومية تتراوح من 30 الى 40جنيها وأحيانا لا تزيد على 20 جنيها، وساعات لا أحصل على شيء ، كما اننا نتخوف من الحصول على قروض الجمعية التى تتراوح مابين 100 و500 جنيه لعدم قدرتنا على سداد فوائدها». وتلتقط الحديث صباح أحمد (45 سنة) التى ظهرت عليها علامات الإرهاق وحاولت جاهدة الوقوف على قدميها بصعوبة شديدة تقول: تعلمت مهنة الصيد فى المصارف والترع منذ أن كنت طفلة «غصب عنى» ولا أتصور حياتى بعيدا عن الصيد فى المصارف التى لا أعرف مهنة غيرها رغم إصابتى بانزلاق غضروفى ولم أستطع تحمل تكاليف العلاج لضيق ذات اليد، حيث اخبرنى الاطباء ان العملية تتكلف قرابة 35 الف جنيه ولعدم وجود مستشفى بقريتنا، وان أقرب وحدة صحية تبعد عن القرية 22 كيلو مترا، فلا أتلقى أى نوع من الرعاية الطبية .. وسارعت سيدة أخرى إلينا وهى تحاول اللحاق بنا بعد خروجها من مياه المصرف وتقول: أنا اسمى أم السعد سعيد محمد وأعمل فى تلك المهنة منذ كان عمرى 15 سنة، «اصبت بالفيروس «سى» من أثر تلوث المصرف، وتعبت ونفسى أعيش زى الناس واتفسح» المهندسة رئيسة جمعية أهلية تقول: من ضمن أنشطة الجمعية مشروع «الأم» لبائعات السمك بالتجزئة ، للبيع بطريق القاهرة-الاسكندرية، لتحسين البيئة المعيشية لهن،وقد أمدت الجمعية الصيادات بالأفران والموازين وبدل الصيد لحمايتهن بمشاركة 50% من القيمة المباعة مناصفة مع الصيادات، فالمرأة بالقرية تجيد الصيد وتعمل بالزراعة والأعمال اليدوية.