يتم هذا العام الاحتفال، تحديداً فى شهر مارس الحالى، بالعيد المئوى لثورة 1919 الشعبية المصرية، كما أنه خلال شهر مارس أيضاً، وتحديداً فى يوم 8 مارس من كل عام، يتم الاحتفال باليوم العالمى للمرأة. وعلينا أن ندرك أن دور المرأة المصرية كان غائباً بدرجة كبيرة عن غالبية أوجه الحياة العامة، خاصة المهمة منها، فى صيغها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك لعدة قرون قبل اندلاع ثورة 1919، وكان ذلك نتاجاً طبيعياً ومنطقياً لقرون من سيادة تفسيرات محافظة، بل ورجعية فى بعض الحالات، لنصوص دينية، وكذلك سيادة ممارسات وأعراف اجتماعية مهيمنة ومفاهيم ثقافية غير ذات صلة بالواقع المعاش، ليست بالضرورة ذات صلة بالموروث الدينى أو الوطنى الثقافي، ولكنها بمرور الزمن باتت وكأنها جزء لا يتجزأ من المعطيات الدينية وتم تقديمها للبشر العاديين على هذا الأساس. والواقع أن النقلة النوعية التى طرأت على مكانة المرأة المصرية عقب ثورة 1919 لم يكن الفضل الأساسى فيها سوى للمرأة المصرية ذاتها فى المقام الأول، حيث إن مشاركة المرأة بفعالية فى أحداث تلك الثورة منذ البداية وبشكل مؤثر ولافت كان هو ما مثل نهاية مرحلة وانطلاق مرحلة أخرى، كما أن هذا الدور الفعال للمرأة المصرية هو الذى تكفل بأن يخط لها المكانة التى تستحقها فى أوجه الحياة العامة المختلفة فى المجتمع المصري، بدءًا من الفترة التالية مباشرة على ثورة 1919، وهى حالة حراك لم تتوقف منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، حتى ولو تراجعت سرعة تمكين المرأة المصرية فى بعض المراحل، بينما تسارعت الوتيرة واتسعت الصورة فى مراحل أخرى. إن انطلاق دور المرأة المصرية خلال فاعليات ثورة 1919 الشعبية فى مصر لم يأت من فراغ من جهة التحضير والتبشير الفكرى بدور فعال ومؤثر للمرأة المصرية فى خوض غمار القضايا الحيوية المجتمع المصرى من خلال العديد من المفكرين المنتمين لتيارات فكرية مختلفة موجودين فى مصر أو وفدوا إليها أو كانوا من ابنائها، سواء فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر أو فى السنوات السابقة على اندلاع ثورة 1919 فى القرن العشرين. وتضم هذه القائمة الطويلة من المفكرين على سبيل المثال لا الحصر جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبى وعبد الله النديم وشبلى شميل وفرح أنطون وسلامة موسى. كذلك كانت هناك تطورات قد حدثت فى المجتمع المصرى على الأصعدة الاجتماعية والثقافية والتعليمية أسهمت فى تفعيل دور المرأة، ومنها، أيضاً على سبيل المثال لا الحصر، بدء انطلاق تجربة المدارس الأهلية من جهة، ومدارس الإرساليات من جهة أخرى، وتتويج ذلك بالاكتتاب للجامعة المصرية بمبادرة من عدد من الشخصيات المصرية العامة ومنها الزعيم الوطنى مصطفى كامل، وخروج هذه الجامعة إلى حيز الوجود فى عام 1908، كذلك كان من هذه التطورات دخول الصحافة مصر فى القرن التاسع عشر وكذلك بداية انتشار عدد من الفنون فى مصر وما ارتبط بذلك من حالة نسبية من تحسن ظروف الانفتاح الاجتماعى والثقافى شهدها المجتمع المصرى فى تلك الفترة. أما فيما يتعلق بانطلاق حراك المرأة المصرية فى سياق فاعليات الثورة عام 1919، فإن الترويج لذلك الدور كان له أكثر من مصدر مهم ورئيسي، من ضمنها دور السيدة صفية زغلول زوجة رمز الثورة، الذى تحول إلى زعيمها، سعد زغلول، وهى التى أطلق عليها الشعب المصرى لقب أم المصريين, وهى شريكة حياة سعد زغلول والتى كان لها كلمتها لديه، وتبنت دوراً فعالاً للمرأة المصرية ليس فقط خلال فترة المد الثوري، ولكن حتى عقب ذلك وعلى مدار ما بات يعرف بالحقبة الليبرالية أو شبه الليبرالية فى تاريخ مصر الحديث (1923 1952). ولكن كان من تلك المصادر أيضاً ما جاء من المجتمع المصرى ذاته، خاصة فى تلك المرحلة من قطاعات من النخبة المصرية، مثل السيدة هدى شعراوي، زوجة على باشا الشعراوى أحد قادة الوفد، والتى أسست اللجنة المركزية للمرأة بحزب الوفد، وهى لجنة نسقت العديد من التظاهرات النسائية خلال فاعليات الثورة، إلا أن المشاركة فى تلك الفاعليات جاءت من جميع الطبقات الاجتماعية، فجاءت أول شهيدة امرأة فى فاعليات الثورة واحدة من بنات الشعب المصرى وهى السيدة شفيقة محمد، والتى سار فى جنازتها عشرات الآلاف من المصريين، وتحولت الجنازة إلى مظاهرة ضخمة مناهضة للاحتلال البريطاني. ولاحقاً كانت السيدة هدى شعراوى وغيرها من السيدات المصريات ضمن وفد خاص بهن، ومنهن السيدة سيزا نبراوي، فى استقبال سعد زغلول لدى عودته من المنفى فى عام 1921، وكانت الخطوة التالية هى تأسيس الاتحاد النسائى المصرى عام 1927، من جانب هدى شعراوى ومعها سيزا نبراوى أيضاً وانضمت لهما السيدة نبوية موسى، وجاء التتويج عبر تأسيسها الاتحاد النسائى العربى ورئاسته عام 1937، كما شاركت المرأة المصرية فى العديد من المؤتمرات الدولية للمرأة، بدءًا من باريس عام 1926، ومروراً بأمستردام عام 1927 وبرلين فى العام نفسه. ومن الصحيح أن جميع مطالب وتطلعات المرأة المصرية لم تتحقق عقب ثورة 1919 او حتى على مدار الحقبة الليبرالية أو شبه الليبرالية فى تاريخ مصر، بل إن انتخاب أول امرأة كعضو فى البرلمان وتعيين أول وزيرة فى مصر حدث بعد ثورة الضباط الأحرار فى 23 يوليو 1952، إلا أنه من الصحيح أيضاً أن نقطة الانطلاق فى مسيرة تمكين المرأة المصرية على جميع الأصعدة جاءت على أرض الواقع من خلفية ثورة 1919 الوطنية الشعبية، كما أنه وإن كان التمكين السياسى تأخر لعقود، فإن التحضير لتمكين المرأة المصرية بشكل عام وتوفير البنية التحتية له وبدء الخطوات التنفيذية له تطورات فى السنوات التالية لثورة 1919، كما أن التمكين تم خلال تلك السنوات فعلياً عبر خطوات متسارعة أكثر فى مجالات مثل التعليم والعمل وغيرهما. لمزيد من مقالات ◀د. وليد محمود عبد الناصر