«بالرغم من الانجازات القيمة التى حققتها فى السنوات الماضية، أنوى أن أنجز أكثر منها، فلدى طموحات أكثرمما قمت به، وهى جعل السنغال حقا واحدة من الدول الإفريقية الكبرى من حيث النمو الاقتصادى والتطور فى مختلف المجالات»، بهذه الكلمات وعد الرئيس السنغالى ماكى صال ناخبيه قبل فوزه بولاية رئاسية جديدة، ويعد بذلك الرئيس الرابع للسنغال بعد إجراء الاقتراع الرئاسى الحادى عشر بعد استقلالها عن فرنسا عام 1960. وكان صال قد تولى رئاسة الجمهورية منذ عام 2012 بعد خوض الانتخابات الرئاسية السابقة كمعارض، بعد انشقاقه عن الرئيس السابق عبدالله واد. وكان صال رئيسا للوزراء فى حكومة عبدالله واد، إلا انه انشق،وقام بتأسيس حزب «التحالف من أجل الجمهورية»، واعتمد على شعبية حزبه بعد أن وسع قاعدة وجوده فى انحاء البلاد، فى خوض الانتخابات الرئاسية والفوز بها. ماكى صال 57عاما حاصل على شهادة الدراسات العليا فى تخصص الجيولوجيا من جامعة الشيخ أنتا ديوب بالسنغال عام 1990، وشهادة عليا فى البترول والمحركات من معهد البترول الفرنسى بباريس عام 1993، وهو من مواليد مدينة فاتيك ومنتم لأسرة بسيطة من عرقية (البولار) التى تمثل 23% فقط من السكان، ومتزوج من مريم فاى ولديه ثلاثة ابناء ولدان وبنت. وبدأت مسيرته السياسية بانضمانه للحزب الديمقراطى السنغالي، وعام 2000 سطع نجمه السياسى بعدما تمكن الرئيس السابق عبدالله واد مرشح الحزب الديمقراطى السنغالى من الفوز بانتخابات الرئاسة، وبدأ فى تقلد المناصب بالحزب، فكان نائب الأمين العام والأمين الوطنى للمناجم والصناعة بالحزب، وتولى منصب رئيس بلدية فاتيك من 2002 إلى 2008، وخلال تلك الفترة تولى عدة مناصب حكومية منها وزارة الداخلية ووزارة المناجم، وتصاعد نجاحه السياسي حتى تمكن من شغل منصب رئيس وزراء السنغال من ابريل عام 2004 حتى يونيو 2007، كما شغل منصب رئيس الجمعية الوطنية السنغالية من يونيو2007 إلى نوفمبر 2008. وفى عام 2007 كان صال احد دعائم ادارة الحملة الانتخابية للرئيس السابق عبدالله واد فى معركته الانتخابية للسباق الرئاسى لولايته الثانية، ولكن تم استبعاد صال من منصبه كرئيس للجمعية الوطنية بعد مرور 17 شهرا فقط، بدلا من خمس سنوات، وهى المدة المقررة لشغل المنصب، وذلك لاختلافه مع الرئيس عبدالله واد، بعد اتهام صال لكريم ابن الرئيس واد بالفساد والتربح، وجدير بالذكر انه تم استبعاد المرشح كريم واد من خوض انتخابات الرئاسة عام 2019 بسبب ادانته بالفساد، ولكن الصراع بين ماكى صال وعبدالله واد ظل يتصاعد، ما دفع صال للانشقاق والانفصال السياسى عام 2008، وتشكيل حزب جديد «التحالف من أجل الجمهورية» ليكون قاعدته لانطلاقة سياسية جديدة. وانتخب صال فى عام 2009عمدة لمسقط رأسه مدينة فاتيك، وأطاح حزبه بالحزب الديمقراطى السنغالي، وفاز الحزب بالاقتراع الرئاسى فى عام 2012 من خلال ممثله ماكى صال. وخلال ولايته الأولى حققت الحكومة السنغالية نموا اقتصاديا بلغ أكثر من 6% ما يعد واحدا من أعلى معدلات النمو فى إفريقيا، كما تم وضع إطار ملائم لتطوير الاستثمارات، وهذا الإطار تم تقييمه بشكل إيجابى من قبل جميع وكالات التقييم الدولية، فالسنغال حسب «دوانينج بزنيس»، التابع للبنك الدولي، تأتى ضمن الدول العشر الأكثر تطويرًا لمناخ الأعمال عبر العالم. أما مؤشر مكافحة الفساد على مستوى العالم، فقد وضعها ضمن أفضل عشرة بلدان، وضمن أفضل ثلاث دول إفريقية. ويعتمد الاقتصاد السنغالى على تصدير الأسماك والفوسفات والمكسرات ودخل السياحة، رغم أنها دولة ذات موارد طبيعية محدودة. وفى عام 2012 احتلت السنغال المركز 16من أصل 52 دولة إفريقية فى مؤشر إبراهيم للحكم الإفريقية، وهو مقياس شامل للحوكمة يعكس نجاح الحكومات فى تقديم السلع الأساسية لمواطنيها، ومن المنتظر أن تشهد السنغال طفرة اقتصادية بعد مجموعة الاتفاقيات التى وقعها الرئيس صال مع دولة موريتانيا حول تطوير واستغلال حقل السلحفاة الكبير أحميم للغاز، الذى تم اكتشافه، ويعد الحقل الأكبرفى منطقة غرب إفريقياوتشير التقديرات إلى أن احتياطه من الغاز الطبيعى يتجاوز 450 مليار متر مكعب. وعلى الجانب الدولى اهتم الرئيس السنغالى بتدعيم العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية والإسلامية والغربية من خلال فتح آفاق التعاون فى كل المجالات، كما حرص على توثيق علاقته بدول إفريقيا، فتم انتخابه لمرتين متتاليتين لرئاسة مبادرة رؤساء إفريقيا لتحقيق التنمية (نيباد)، وانتخابه رئيسًا للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بالإضافة إلى انتخاب بلاده عضوًا غير دائم فى مجلس الأمن. وتتلخص فلسفة الرئيس إزاء السياسة الخارجية والاستثمارات الأجنبية على حد وصفه «فلسفتنا أننا منفتحون على الجميع ونرغب فى صداقة الجميع مع المحافظة فى الوقت نفسه على مصالحنا، إذن بلدنا منفتح على جميع الاستثمارات سواء كانت أمريكية أو عربية أو أوروبية أو صينية، فلا أهمية لمصدر هذه الاستثمارات، كل ما يهمنا هو ما يجلبه المستثمرون وما نقدمه نحن وما نربحه مجتمعين، هذا هو العامل الرئيسى فى تعاملنا». وأكد الرئيس صال أن من أهم انجازاته استعادة السلام فى منطقة «كازماس» المنطقة المضطربة جنوب البلاد، والتى كانت تعانى التهديدات الأمنية، والتى يقاتل انفصاليون فيها منذ عام 1982 من أجل الاستقلال، ولكن لاتزال تشهد المنطقة حوادث وتوترات من حين لآخر، تقوم بها حركة القوات الديمقراطية لكازماس. وبالرغم من اقامة مشروعات عديدة أبرزها مد خط جديد للسكك الحديدية، وتأكيد ارتفاع مستوى الخدمات، مثل القضاء على مشكلة انقطاع الكهرباء، وعدم ارتفاع أسعار المواد الغذائية منذ عام 2012، فإن هناك تحديات كثيرة تنتظر الرئيس صال خلال الولاية الجديدة، من أهمها القضاء على البطالة فى صفوف الشباب، خاصة خريجى الجامعات فهم الفئة الأكثر تضررا، وتحقيق مستوى أفضل للرعاية الاجتماعية وتحسين مستويات المعيشة، والارتقاء بمستوى الخدمات الصحية والتعليمية، وتطوير البنية التحتية والمرافق العامة، ورفع معدل النمو الاقتصادى وتقليص الفقر، وهذه المشكلات يطالبه ناخبوه بضرورة إيجاد حلول لها، إلى جانب تنفيذ وعوده التى تعهد بها فى برنامجه الانتخابي، وتحقيق خطة« السنغال الناشئة »التنموية، وهى تحديات ليست بالهينة ينتظر السنغاليون أن يتصدى لها صال خلال ولايته الجديدة.