ربما حين تقع أعيننا عليهم تقشعر أبداننا، ويتملكنا الخوف إذا اقتربوا منا، «المشردون» فى الشوارع، الذين يتخذون من الأرصفة وأسفل الكبارى سكناً لهم، ولا يهتمون بأى شىء يتعلق بالحياة، فلا يعنيهم ماذا يأكلون وما يشربون، أحياناً تجد منهم المتعلم والغنى، ولكن عندما يتعرضون لظروف خاصة لا تستطيع عقولهم أن تقوى على تحملها، فيهربون إلى أى مأوى فى الشارع. هذا هو حال عادل محمد أيمن أحد هؤلاء المشردين صاحب ال 30 ربيعاً من مواليد 26 ديسمبر 1988، والذى يعيش بأول شارع شنن من ناحية شارع الجلاء، والمدهش أنه يقيم بهذا المكان المهم غير العشوائى «شارع الجلاء وسط القاهرة»، ذلك الشارع الحيوى الذى يمر منه المئات بل الآلاف بشكل يومى على مدار ال 24 ساعة، والذى ذهبنا إليه وحاولنا فى البداية أن نتحدث معه كثيراً ولكنه كان يرفض، ولكن بعد إصرار منا تعاملنا معه بهدوء لكى يفتح لنا قلبه ويخرج ما بداخله من هموم ومآس. وبصوت يملؤه الخوف والتردد من التحدث إلى وسائل الإعلام، قال عادل حكايتى أغرب من الخيال، فقد تخرجت من معهد خاص عام 2013 وحصلت على شهادة عليا، وكنت مقيماً بمنطقة مصر الجديدة بميدان سفير فى منزل أسرتى، خاصة وأن والدى كان يعمل بدولة الكويت، وكانت ظروفنا أكثر من جيدة. وأضاف متأثراً بما حدث لعائلته، أنه بعد طرد والده من الكويت ومنعه من دخولها، انفصل عن والدته منذ فترة وتزوج بأخرى على الرغم من كبر سنه فهو على مشارف ال 70 من عمره، وبعد مشاكل وخلافات عديدة، يقول عادل إنه هرب من المنزل ولا يريد أن يعود إليهم مرة أخرى، وأنه يفضل الشارع وتحديداً مساحة المترين على حسب قوله فهو لا يحتاج إلى أكثر منها وينام امام أحد البنوك، كما أن والدته «س. ع. م.» على حسب قوله كانت تعمل ممرضة بأحد المستشفيات بمنطقة المعادى، ولكنها مرت بمرحلة علاج نفسى.. وبسؤالنا عن أحوال إقامته فى هذا المكان ومعاملة الناس له، يقول عادل أنه لا يحب التعامل مع أحد، لأن الناس يعاملونه بطريقة سيئة ويضايقونه، كما يشتكى من سرقة أغطيته التى تحميه من برد الشتاء القارس من قبل جامعى القمامة بالشوارع، حيث سرقوا منه 4 بطاطين من قبل على فترات بالإضافة إلى «جاكيت جلد» كان يستخدمه للتدفئة أثناء النوم. ويضيف عادل أن هناك بعض المواطنين وفاعلى الخير يأتون له بالطعام بشكل يومى وفى بعض الأحيان تكون وجبات ساخنة تحتوى على فراخ أو لحوم، ويعطونه بعض الأموال لمساعدته فى توفير احتياجاته، وأكد لنا أن كل احتياجاته هى عبارة عن شراء «السجائر» وعلب الكشرى. وجدنا مع عادل «كراسة» يدون بها بعض الجمل، ولكننا صدمنا حين فتحنا صفحاتها لنجد خطاً منسقاً ورائعاً، وينم عن تعليم جيد، وبعض من الكلمات المكتوبة باللغة الألمانية، والتى تحدث لنا بها بالإضافة لتحدثه أيضاً ببعض الكلمات باللغة الإيطالية. سألنا المحيطين بعادل، فوجدنا راضى عبدالمنعم وعبده يعملان سايسين ويعرفانه جيداً، حيث أكدا لنا أن عادل ظهر هنا بالمنطقة من حوالى عام كامل بجوار البنك، وهو فى نفس الوقت غير مؤذٍ لأحد ولا يسبب المشاكل أو المتاعب للمارة، ولا يحب أن يأخذه أحد من هنا، فحاول معه كثيرون نقله من مكانه إلى مكان آخر وفى بعض الأحيان طرده من هنا، ولكنه رفض وبشدة وتمسك بمكانه، وبين الحين والآخر يمر عليه بعض من أصحاب القلوب الرحيمة ويتركون له الطعام والأموال وفى أحيان أخرى يعطونه بطاطين لتقيه من برد الشتاء. ويضيف فايز حجاج موظف أمن بجواره أن عادل موجود هنا منذ حوالى عام، ولا يثير المشاكل ولا المتاعب مع أحد، ولم نر منه أى شيء سيئ ولا يتعاطى أى نوع من أنواع المخدرات، وتغمره الفرحة لو أعطيته كيساً من البسكويت.. وعندما سألنا عن من يعمل على نظافته وأين يقضى حاجته، وجدنا أن هناك من يتطوع ويقوم بتسهيل مهمة نظافته واستحمامه، ونقله إلى دورة المياه، وهكذا يظل عادل فى هذا المكان مقيماً على ناصية شارع مهم، متلحفاً بأغطية رثة، ولكنه مطمئن للحياة. «الأهرام» تناشد الدكتورة غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى أو أصحاب القلوب الرحيمة والمبادرات الخاصة بحماية «المشردين بلا مأوى» بتبنى حالة عادل، وربما تأهيله ليعود إلى الحياة الطبيعية.