أثارت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو لموسكو فى 27 فبراير، الكثير من التساؤلات ليس فقط حول العلاقات الروسية الإسرائيلية، وإنما فيما يتعلق بالترتيبات بشأن سوريا والمنطقة ككل خاصة كونها أعقبت قمة الدول الضامنة، روسياوإيرانوتركيا، التى عقدت فى سوتشى فى 14 فبراير. وتحمل التطورات الأخيرة ومنها زيارة نيتانياهو مجموعة من الدلالات المهمة. من ناحية، أكدت الزيارة استمرار التوجه الإسرائيلى نحو موسكو فى إطار إدراك دور الأخيرة فى سوريا والشرق الأوسط عامة، فقد جاءت الزيارة بناء على طلب نيتانياهو، وهو اللقاء الحادى عشر له مع الرئيس بوتين منذ بدء الضربات الروسية ضد الارهاب فى سوريا فى 30 سبتمبر 2015. ورغم الشد والجذب الذى اكتنف العلاقات بين البلدين نتيجة الغارات الإسرائيلية على سوريا، والتوتر غير المسبوق بينهما على خلفية تحميل روسيا إسرائيل المسئولية كاملة عن تحطم الطائرة الروسية IL-20 فى سبتمبر الماضي، وقيام روسيا، كرد فعل، بتزويد سوريا بثلاث كتائب إس 300 بى أم، وهى الخطوة التى طالما عرقلتها إسرائيل وضغطت بقوة لمنعها، فإن الزيارة عكست تجاوز البلدين للأزمة، وحرص إسرائيل الواضح على استمرار التنسيق مع موسكو وأن تكون مصالحها حاضرة فى الترتيبات الجارية لسوريا والمنطقة. وإلى جانب تجاوز التوتر مع موسكو حمل نيتانياهو مطلبين أساسيين، الأول يتعلق باستمرار عدم تفعيل منظومات إس 300 لمواجهة الغارات الإسرائيلية على الأراضى السورية بحجة ضرب أهداف لإيران وحزب الله فى سوريا، والثانية تتعلق بالوجود الإيرانى فى سوريا وجهود التجييش الإسرائيلى فى مواجهة إيران. وقد أوضحت القمة وما أعقبها من تصريحات من الجانبين أن التنسيق الروسى الإيرانى بشأن سوريا سيستمر خلال المرحلة المقبلة، وكشف الرئيس بوتين عن خطة لإنشاء مجموعة دولية جديدة تشمل الدول المنخرطة فى النزاع السوري، ستتولى مهمة الاستقرار النهائى بعد استئصال الإرهاب فى سوريا. ويتضمن ذلك الحكومة السورية والدول الضامنة الثلاث، روسياوإيرانوتركيا، فيما يعتبر امتدادا لمسارى أستانا وسوتشي، وقد تتسع المجموعة لتضم قوى دولية مثل ألمانيا وفرنسا وربما الصين. إلا إنه فى كل الأحول سيكون من الصعب تصور إسرائيل ضمن هذه المجموعة، كما يطمح نيتانياهو وحاول أن يروج له. وتتضمن مهام المجموعة التطبيع النهائى للأوضاع فى سوريا وسحب القوات الأجنبية منها، وإعادة بناء مؤسسات الدولة السورية واستعادتها سيادتها على كامل أراضيها. كما أكد الرئيس بوتين أن الأوضاع فى سوريا مستقرة باستثناء بعض بؤر الارهاب التى سيتم استئصالها فى القريب العاجل، الأمر الذى يشير إلى قرب عملية إدلب وإنها قادمة لا محالة. وتمثل إدلب المعركة الفاصلة للقضاء نهائياً على الارهاب فى سوريا، باعتبارها الحاضنة الأخيرة والأضخم للارهابيين. وكادت المعركة تبدأ مطلع سبتمبر الماضى إلا أن روسيا تراجعت لإعطاء فرصة أخيرة لحلحلة الوضع سياسياً وميدانياً. فمن ناحية كان الهجوم الغربى المدعوم من الأممالمتحدة شديداً بحجة حماية المدنيين فى إدلب، كما عارضت تركيا صراحة بدء العمليات خوفاً على حلفائها وخشية من نزوح الآلاف منهم باتجاهها باعتبارها المنفذ والحليف الوحيد لهم. يضاف إلى هذا تحالف الجماعات الارهابية استعداداً للعملية الأمر الذى كان سيؤدى حتماً لارتفاع تكلفة العملية بشرياً ومادياً بالنسبة لموسكو ودمشق. فكان الاتفاق الروسى التركي، فى سبتمبر الماضي، الذى جعل أنقرة ونقاط المراقبة التركية فى إدلب الضامن لعدم التصعيد من جانب الجماعات الارهابية، وتم فتح ممرات إنسانية لخروج المدنيين لتجنيبهم مخاطر أى عمليات عسكرية أو ضربات جوية قادمة. على صعيد آخر، أدى التراجع التكتيكى للعملية إلى تجدد القتال فيما بين الجماعات الارهابية والإضعاف النسبى لجبهتهم. وتواصل جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) تمددها وأصبحت تسيطر على أكثر من 90% من إدلب، هذا فضلاً عن عشرات الجماعات الارهابية، منها عشر مجموعات أجنبية متحالفة مع النصرة ومصنفة على قوائم الارهاب الدولية من الشيشان وإندونيسيا والفلبين والصين والألبان والأوزبك وغيرهم. وقد جعلت هجمات النصرة وخروقاتها المستمرة لنظام وقف القتال فى إدلب بهدف السيطرة الكاملة عليها الاتفاق الروسى التركى حبرا على ورق وذلك فى ضوء فشل تركيا فى الوفاء بتعهداتها وفقاً للاتفاق. كما اعترفت الأممالمتحدة فى تقرير اللجنة الأممية المستقلة للتحقيق فى انتهاكات حقوق الإنسان الذى نشر يوم 28 فبراير فى جنيف أن ملاحقة جبهة النصرة للمدنيين فى إدلب يمثل جرائم ضد الانسانية. فى هذا السياق أصبح الوضع السياسى والميدانى أكثر مواءمة لبدء عملية إدلب. ويبدو أن توافقاً على ذلك قد تم خلال قمة الدول الضامنة فى سوتشى منتصف فبراير. ونظراً لرفض تركيا عملية واسعة النطاق تؤدى إلى نزوح كبير باتجاهها، فإنه من المرجح أنها ستكون عملية منظمة ودقيقة. إن طبول الحرب تدق أبواب إدلب، وتؤكد تصريحات القادة الروس وكذلك الاشارات القادمة من طهرانوأنقرة إلى أن العملية حتمية ولا مفر منها. ويظل السؤال حول تداعيات العملية واستعادة الدولة السورية كامل عافيتها على موازين القوى فى المنطقة وخريطة التحالفات بها. إن التغيرات تبدو متسارعة، وحالة الاستقطاب الدولى والإقليمى تزداد تبلوراً. ويرتبط بذلك سؤال أهم حول جاهزية دول الجوار السورى العربى والأوروبى والآسيوى لتداعيات عملية إدلب التى وإن قضت على آلاف الارهابيين فإنها ستؤدى إلى هروب آلاف آخرين عائدين لموطنهم الأصلى أو باتجاه حاضنة آخرى فى ليبيا أو أفغانستان أو غيرهما. إن حشود الارهابيين فى إدلب والتهديدات التى يمثلها هؤلاء تفرض ضرورة التنسيق والدعم الإقليمى والدولى لعملية إدلب للقضاء التام على الارهاب وضمان الأمن والاستقرار الإقليمى للمنطقة وجوارها. لمزيد من مقالات د. نورهان الشيخ