عشت ساعات مستمتعا بالمنطق والمنهج والكلام ذي المعني.. تابعت مؤتمر الديمقراطيين في الولاياتالمتحدةالأمريكية.. رأيت' باراك أوباما' فخورا بقدرته علي التحدي. . فقد واجهته أعنف أزمة اقتصادية في تاريخ بلاده, وتمكن من الصمود ورسم خطط الخروج منها.. هذا يكفيه.. لكنه تحدث عن إنجازاته بتقديم مشروع التأمين الصحي لكل المواطنين.. ذهب إلي التركيز علي واحد من أهم تحدياته بإنقاذ صناعة السيارات.. إعتبر أن مواجهة الإرهاب والقضاء علي أسامة بن لادن يمثل علامة بارزة في فترته الرئاسية.. أعلن رفضه رفع الضرائب علي الطبقة الوسطي.. ورفع راية التحدي للأثرياء مؤكدا ضرورةأن يتحملوا مسئولية الذهاب إلي مستقبل أفضل بدفع المزيد من الضرائب.. كان من حقه أن يفاخر بتوفير أكثر من مليوني فرصة عمل.. دون التركيز علي وعود لناخبيه.. شرح خطته في خفض استهلاك النفط بمقدار مليون برميل يوميا.. وأكد نجاحه في الاعتماد علي الطاقة البديلة, مع التبشير بصناعة الغاز الواعدة.. وخلال حواره كان يلكم منافسه' ميت رومني' بسخرية شديدة الوقار والاحترام.. وذلك لا ينفي أنه كان مؤلما!! قال' باراك اوباما' بصراحة ووضوح:' تلك رايات اليسار التي نرفعها'.. باعتبار أن حملته الانتخابية تعلن استهدافه لتقوية وتنمية الطبقة الوسطي في المجتمع.. وبدا واثقا من فهمه ووعيه بأهمية وقيمة شعبه ومستقبل بلاده.. تحدث بتواضع شديد عن نفسه.. تعمد إعلاء قيمة المواطن والبشر.. كان يكرر دائما:' كنتم معي وقت الأزمة'.. ويقول أنتم الذين فعلتم هذا أو ذاك.. أنتم القادرون علي ترجمة ما أقدمه لكم في الدورة القادمة إلي إنجازات.. واعترف بما قصر فيه, موضحا التحديات التي يعلمها الرأي العام لتفرض عليه هذا التقصير.. وتناول قضايا الصحة والتعليم والبطالة بواقعية.. لم يتحدث عن نفسه أو حزبه باعتبارهما أصحاب فضل علي الوطن. المثير أننا نسمع لأول مرة رئيسا أمريكيا يفاخر بتجاهه ناحية اليسار.. بما جعلني أعيش دهشة ما بين التصديق وتكذيب حواسي.. فإذا كان اليسار لم يعد سبة في الولاياتالمتحدةالأمريكية.. بل أصبح مصدر تفاخر وعنوان للمنهج الاقتصادي في المستقبل القريب.. فهذا يعني إنقلابا علي الجهل والجهلاء!!.. ففي تلك البلاد المتقدمة يعلمون أن التقدم هو الهدف.. يحترمون الطريق وقيمته, لكنهم لا يقدسون غير المواطن بعد الله.. وهنا سنجد سر ومفتاح تقدمهم.. لذلك حين تحدث عن المواطنة قاطعوه بتصفيق حاد استمر لفترة طويلة.. فأكد أن الانتماء للوطن بالعمل, وليس برفع الشعار أو الدفاع عنه دون فهم له.. كان الآلاف في المؤتمر تؤكد وجوههم وعيهم بمعني كل كلمة, وقيمة كل رقم أو إنجاز.. عكس ما نراه في مجتمعاتنا التي تختار رؤسائها ونوابها في البرلمان, لمجرد أنهم طيبون وأصحاب قلوب بيضاء!! شعرت بأن المسافة بيننا وبين الولاياتالمتحدة, هي ذات المسافة بين العلماء والمشعوذين الذين يتكسبون من إطلاق البخور.. وتأكدت أن مخاطبة الشعوب تفرض علي المرشحين الذهاب إلي عقولهم, دون أدني مانع من عزف قليل علي عواطفهم.. وعرفت أن الديمقراطية ليست مهارة في اللعب علي الحبال.. ففي أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية, وكافة المجتمعات الديمقراطية.. لا يمكن لمرشح أن يعلن ما لا يملك ترجمته علي أرض الواقع.. ولا يمكنه تغيير تركيبة المجتمع وفق هواه السياسي.. لذلك كان' أوباما' حريصا علي أن يضرب أمثلة بمواطنين أعطوه الأمل بسلوكهم وإنجازاتهم, وكم كان رائعا حين أكد انه لا يعرف أيهم ديمقراطي أو جمهوري.. المهم أنهم جميعا مواطنون أمريكيون.. لذك تقدمت امريكا وبقينا ندور حول انفسنا في مسألة' أخونة الدولة' دون شعور بقيمة المواطن وما يجب أن نعطيه له. المزيد من مقالات نصر القفاص