منذ جلوسه على كرسى مشيخة الأزهر الشريف قبل نحو تسع سنوات، والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، يقدم صورة عصرية شديدة الرقى والتحضر، لما ينبغى أن يكون عليه «شيخ الإسلام»، وهى صورة تقترب إلى حد كبير، مع تلك النماذج الفريدة التى مرت على الأزهر الشريف على مدى قرون، فأسهمت بثقافتها الرفيعة، وحضورها الانسانى الطاغى، وإجادتها لعلوم الفقه والشريعة، فى صناعة مجد الأزهر، واحتفاظه بمكانته فى قلوب المسلمين، كأكبر مؤسسة دينية وعلمية فى العالم الاسلامى. نجح الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، فى أن يكتسب احترام العالم خلال سنوات قليلة، من جلوسه على كرسى مشيخة الأزهر، فى وقت لم يتوقف فيه إطلاق العديد من المؤسسات الغربية، للسهام المسمومة على الاسلام، وكل ما يمت له بصلة، فى ظل موجات عاتية من الارهاب، تضرب هنا وهناك، الأمر الذى مهد كثيرا لظهور ما يعرف فى الأدبيات السياسية الغربية ب «الاسلاموفوبيا»، وظهور العديد من النزعات المتطرفة فى الاتجاه المعاكس، التى تدعو لمعاداة الاسلام، باعتباره دينا يحض على العنف، ويدعو لإقصاء الآخر، وقد بدا الإمام الأكبر فى تلك المرحلة، أشبه ما يكون ب «رجل الاطفاء» الذى تنحصر مهمته فى محاولة إطفاء الحرائق التى تندلع بين حين وآخر، مستهدفة الاسلام كعقيدة، والمسلمين فى مختلف بقاع الأرض، باعتبارهم «ارهابيين محتملين» الى أن يثبت العكس. وربما يكفى الامام الأكبر، الدور الكبير الذى لعبه على المستوى الخارجى، فى تقديم ذلك النموذج العصرى المنفتح على العالم، لشيخ الاسلام، وهى صورة كان الأزهر الشريف فى حاجة ماسة اليها، خصوصا فى العقد الأخير، الذى طالته خلاله العديد من الاتهامات، من قبل قوى غربية ومحلية واقليمية، ظلت تنظر اليه ولا تزال باعتباره الحاضنة الأم للعديد من أفكار التشدد والتطرف، وهى اتهامات تدحضها وقائع التاريخ والفكر، فقد كان الازهر ولا يزال، هو منارة الفكر الاسلامى الوسطى المعتدل، القادر بفلسفته وفهمه الواعى لعلوم الفقه والشريعة، على مواجهة كل أفكار التطرف والشطط، التى سقطت فى براثنها من أسف وصدرتها للعالم، بعض مؤسساتنا الدينية فى العالمين العربى والاسلامى، فكانت نتائجها وخيمة على الأمة. وللشيخ الطيب عشرات من الأبحاث والمؤلفات فى علوم العقيدة والفلسفة الإسلامية، فضلا عن تحقيقه للعديد من المؤلفات الفرنسية عن الفلسفة الإسلامية، فهو يتحدث الفرنسية والإنجليزية بطلاقة، ويترجم من الفرنسية إلى العربية، على نحو يضاهى بل يتفوق على العديد من أعلام الترجمة المعروفين فى عالمنا العربى، وقد كانت تلك الترجمات واحدة من الأساليب التى استخدمها الشيخ الطيب، لتصحيح الصور المغلوطة عن الإسلام فى الغرب، قبل أن يشرع فى سلسلة متواصلة من الحوارات المباشرة مع العالم الغربى، ليعيد ما انقطع من علاقات بين الازهر الشريف، ونظرائه من المؤسسات الدينية فى الغرب، وعلى رأسها الفاتيكان. لمزيد من مقالات أحمد أبو المعاطى