من لا يسمع قرع طبول الحرب فى أرجاء كثيرة من العالم، فحتما يوجد بأذنيه صمم، ومن لا يرى سياسات الدول الكبرى وهى تتجه نحو الصدام الماحق الذى قد يعيد البشرية إلى ما قبل عصر البخار، فإن فى عينيه عمى، ومن لا يُشاهد ببصيرة قلبه أن ما قاله من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم عن أحداث المستقبل فى العراق والشام ومصر وغيرهم، وعن ما يمكن تسميته بالتحالف السنى الأمريكى – الأوروبى المقبل، فإن فى بصيرته "عمه" (عمى بالقلب). فروسيا أعلنت عن غواصة جديدة تستطيع البقاء تحت الماء لمدة 600 يوم دون أن يلتقطها الرادار، كما أنها تستطيع - كما تقول وزارة الدفاع الروسية - تدمير أى دولة بضغطة زر واحدة. وروسيا تُعلن بين الفينة والفينة عن أسلحة جديدة متطورة وعن مناورات عسكرية غير مسبوقة، وكذلك تفعل الصينوإيران وكوريا الشمالية. وقبل ذلك تكلم السياسى الأمريكى المخضرم هنرى كيسنجر، عن وجود أسلحة لدى بلاده لا يتخيلها أحد، وأن هناك تدريبات مستمرة فى الجيش الأمريكى على مواجهة أكثر من عدو فى وقت واحد، وحدد بالاسم: الصينوروسياوإيران، فضلا عن الجماعات المتشددة فى مناطق عدة. والتغيير المهول والسريع والذى تعيشه الساحة العالمية ويحمل معانى ودلالات لا حصر لها يتمثل فى نظرة واشنطن لجماعات مثل طالبان الأفغانية كانت تعتبرها إرهابية، والآن ترى أنها تريد السلام وأن لها الحق فى حكم بلادها، بل واستضافة القاعدة وداعش على شرط ألا ينفذوا أى عمليات ضد واشنطن من داخل أفغانستان. كل ذلك من أجل أن تسحب أمريكا قواتها من أفغانستان وتضمن انسحابا آمنا فى ظل حماية من طالبان، تماما كما احتاجت أمريكا إلى تشكيل صحوات من أهل السنة فى العراق لتأمين انسحاب قواتها من أرض الرافدين. وتسارع موسكو لخطب ود طالبان باستضافة لقاءات لقادتها مع معارضين للرئيس الأفغانى أشرف غنى. ويعود للمشهد الدولى من جديد سباق التسلح مع إعلان واشنطن تعليق العمل بمعاهدة حظر نشر الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى مع روسيا، ورد بوتين بالمثل بتعليق العمل بالمعاهدة مع الإعلان فى نفس الوقت عن اقتراح من وزارة الدفاع الروسية بنشر صواريخ كاليبر الروسية على وجه اليابسة كما كان الحال أيام الإمبراطورية السوفيتية. والصين تتقدم بسرعة صاروخية نحو الاقتراب من إزاحة أمريكا عن المركز الأول على رأس الاقتصاد العالمى، يُضاف إلى ذلك قدرات عسكرية تنافسية فى البر والبحر والجو والفضاء. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى تخلت أمريكا مؤقتا عن الخوف من الخطر الشيوعى الأحمر باعتباره العدو رقم واحد لتستبدله بالخطر الأخضر الإسلامى، وهى عداوة أنهكت أمريكا اقتصاديا وعسكريا فى أفغانستانوالعراق واليمن والصومال وفى القرن الإفريقى وغيرهم، وهى مواجهة أسعدت روسياوالصين والتقطت بسببها روسيا أنفاسها الاقتصادية فيما تقدم المارد الاقتصادى الصينى ليهدد العمق الأمريكى. وإزاء ذلك، بدا واضحا أن أمريكا ترى الآن أن العدو الأول يتمثل فى الخطر الأحمر (روسيا) والأصفر (الصين) والشيعى (إيران) ومن يدور فى فلكهم ككوريا الشمالية. وترى كذلك أن الجهاد الإسلامى الذى ساعدها فى هزيمة الروس فى أفغانستان هو نفسه القادر على التصدى معها لأعدائها. وخلال الثمانينات من القرن الماضى نجح هذا التحالف عبر تعاون الدول العربية والإسلامية فى تجنيد الشباب للجهاد فى أفغانستان وإرسالهم بطرق رسمية إلى باكستان لمواجهة الإلحاد السوفيتى، وفى ذلك الوقت كان الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان يستقبل القادة الأفغان فى البيت الأبيض استقبال الرؤساء والملوك، وكانت المخابرات الأمريكية تساعد المجاهدين معلوماتيا والأسلحة الأمريكية التى يدفع ثمنها دول إسلامية تنهمر على المجاهدين. ولذا لن يكون مستغربا تغير لهجة ونظرة واشنطن لحركة طالبان الأفغانية ولجماعة الشباب الصومالية ولجماعة بوكوحرام النيجيرية، وقد يكون فى الطريق تنظيم داعش فى العراق وسوريا. ففى حديث رواه الإمام أحمد عن ذى مخمر رضى الله عنه، قال النبى صلى الله عليه وسلم: (ستصالحكم الروم صلحا آمنا فتغزون أنتم وهم عدوا من ورائهم فتُنصرون وتغنمون وتسلمون..). [email protected] لمزيد من مقالات عبد الفتاح أنور البطة