تحكى الأسطورة اليونانية عن أوديب أنه عندما يكبرسيقتل والده ويتزوّج أمه..وقد تحققت النبوءة بالحرف..وتلك الأسطورة التى حكاها هوميروس فى الأوديسة، تناولها سوفكليس وغيره من المسرحيين الأوروبيين. سبق جدودنا المصريون هوميروس، ولكن من منظورمختلف. حيث ورد فى الأدب المصرى القديم (من منظومة علم الأساطير أو الميثولوجيا) فى البرديات المصرية بعض القصص التى تناولتْ فكرة النبوءة، منها قصة عن الأميرالذى قالتْ النبوءة إنه سوف يموت بمعرفة تمساح أوثعبان أوكلب..وقد ترجمها الأثرى الألمانى (جورج إبرس) بعنوان (الأميرالمسحور) فكتب العالم الكبيرسليم حسن أنّ ترجمة العنوان لاتنطبق على مضمون القصة. فالأمير فيها ليس مسحورًا وليس فى القصة شىء عن السحر..والعنوان الصحيح الذى أصبحتْ القصة تُعرف به الآن هو «الأميرالمحتوم عليه بالموت» (الأدب المصرى القديم- ج1- مطبوعات كتاب اليوم- مؤسسة الأخبار- 15ديسمبر90- ص110) وهذه القصة كُتبتْ فى عهد الأسرة 19. تحكى القصة أنّ أحد الملوك ابتهل للآلهة كى تهبه ولدًا، فاستجابتْ الآلهة لدعائه..وبعد أنْ حملتْ زوجته ووضعت طفلها، أتت النبوءة بأنه سيموت بمعرفة تمساح أوثعبان أوكلب..وعندما علم أبوه بالنبوءة بنى لطفله منزلا من الحجرفى الصحراء..وبكل شىء جميل يليق ببيت ملكى، على أنْ يبقى الطفل فيه ولايخرج منه..وبعد أنْ كبرالطفل وصار شابًا..وعرف بالنبوءة من والده قال له: «يا أبى ما فائدة مكوثى هنا. إنى قد صرتُ فى يد القدر. دعنى أنطلق وأعمل ما تُمليه علىّ رغباتى» فوافقه والده وجهزه بعربة مُحملة بما ينفعه فى رحلته وقال له (اذهب حيث شئت) ورغم أنه كان على علم بأنه سيموت بمعرفة تمساح أوثعبان أوكلب، فإنه أصرّعلى أنْ يصطحب معه كلبًا صغيرًا. واصل رحلته حتى وصل إلى مكان بسوريا.. وكان ملك سوريا له ابنة بنى لها بيتًا مرتفعًا وأحضر رؤساء الأقاليم وقال: (إنّ من يصل إلى شرفة ابنتى سيأخذها زوجة له) وكان الأميرالمصرى بين الحضور فسألوه من أين أنت؟ فقال إنه ابن ضابط من مصر..وقال: ليتها تكون لى..ونجح الأميرالمصرى فى الوصول إلى شرفة بنت الملك فضمته إلى صدرها. فذهب الخدم وأخبروا والدها..ولما سأله عن أصله قال إنه ابن ضابط مصرى..ورفض أنْ يذكرالحقيقة بأنه ابن الملك، فغضب الملك السورى وقال: (هل أعطى ابنتى طريد مصر؟ أبعدوه من هنا) ولكن الابنة أمسكتْ بالأميرالمصرى وحلفتْ بحياة (رع حور- آختى) لأنّ سوريا كانت تابعة لمصر..وقالت أيضًا: (إذا قتلتموه فإننى عند مغيب الشمس سأكون ميتة) فوافق الملك وتزوّج الفتى المصرى من البنت السورية..وبعد الزواج صارحها بنبوءة قتله بمعرفة تمساح أوثعبان أوكلب، فقالت له (إذن اقتل الكلب الذى يتبعك) ولكنه رفض. فبدأتْ تحرص على زوجها ولاتتركه يخرج وحده. تسللتْ حية وكادتْ تقتل الأميرفقتلتها الزوجة..وعندما كانا عند البحيرة اقترب تمساح من الأميرالمصرى..ودارصراع بين التمساح وقوى مائية غامضة، اختفى التمساح بعدها. أما عن الكلب فإنّ القصة تناولتْ علاقة الصداقة بينه وبين صديقه الأمير المصرى..وبذلك يتبين التشابه فى القصتيْن المصرية واليونانية فى استخدام النبوءة وتدخل القدرفى مصيرالإنسان، بينما الاختلافات جذرية من حيث رؤية توظيف (القدر) فإذا بالأسطورة اليونانية تُعاقب البشربلا سبب..وليس لهم أى دخل فى الجرائم الأخلاقية التى قدّرها (القدر) على البشر..فأوديب كان ضحية النبوءة التى قالت: إنه سوف يقتل والده ويتزوّج أمه..والأبشع أنّ الطاعون الذى حل بالمدينة.. وفيه عقاب للأهالى الذين لاذنب لهم فيما حدث، بينما القصة المصرية التى استخدمتْ النبوءة استبعدتْ تدخل (القدر) فى مصيرالإنسان، بل أكثرمن ذلك أنّ الأميرالمصرى لم يهتم بالنبوءة.. وصمّم على أنْ يصطحب كلبه معه. ثم نجاته من القتل بمعرفة التمساح أوالثعبان، ثم وفاء زوجته التى سهرتْ بجواره لتحرسه ووضعتْ البيرة للثعبان فشرب حتى سكر ثم قتلته.. والأهم من كل ذلك أنّ الملك المصرى لم يُخف النبوءة عن ابنه وإنما أخبره بتفاصيلها.. وترك له حرية الخروج فى رحلة مجهولة المصير.. كما رفض الشاب المصرى الإفصاح عن انه ابن ملك.. وقال إنه ابن ضابط مصرى.. وفى نقده لأسطورة أوديب كتب فليكوفسكى أنّ فكرة (القدرية) اليونانية لم تحث على الخير.. ولم تدفع الإنسان إلى إعادة النظرفى طريقة حياته ليُحاول الإصلاح منها. (المصدر: أوديب وأخناتون- دارالكتاب العربى ص 208).