كان مشهد جثة الطفلة فى غاية البشاعة، فآثار التعذيب العنيف واضحة فى أنحاء جسدها من جراء الضرب والقيود، كما كان لون الجلد الشاحب ووهن الجسم يشير إلى أن الطفلة عانت الجوع قبل أن تموت. من فعل ذلك؟! كون الإجابة أن القاتل هو أبوها لم تعد مفاجأة، فقتل الأطفال وتعذيبهم بواسطة آبائهم أو أمهاتهم أصبح من الأخبار المعتادة فى الصحف بعد أن تعددت بلاغات هذه الجرائم أمام أقسام ومراكز الشرطة والنيابة العامة. وقصة طفلة مساكن النهضة واحدة من تلك الفواجع التى تحدث ولا تختلف عن غيرها ممن هم فى مثل عمرها أو قريبا منه من ضحايا الصراع بين الآباء والأمهات فقد انفصل والدها عن والدتها وعاش كل منهما بعيدا عن الآخر أما طفلتهما ذات السنوات العشر، فتعيش ممزقة ما بين الأبوين، فكلاهما لا يريدها أن تعيش معه وكلاهما يريد أن يغيظ بها الآخر بإساءة معاملتها، فهو يتهمها بأنها ألقت بابنتها، وهى تتهمه بالوحشية فى معاملتها. وفى خضم صراعاتهما قبل وبعد الانفصال النهائي، عاشت الطفلة منطوية لا تكاد تجف دموعها حتى وهى تلعب مع أقرانها من الأطفال وعندما تعود لأبيها تلقى العقاب اليومى بالضرب والإهانة وأحيانا التقييد بالحبال وتركها بلا طعام أو شراب حتى تهلك جوعا وعطشا. كان الأب يعيش بمفرده داخل شقته فى مساكن النهضة بمدينة السلام بشرق القاهرة وكان كلما اشتد به الحنق على طليقته، أفرغ غضبه فى طفلته التى كان أنينها يمزق قلوب الجيران عندما يسرى فى جوف الليل من الجوع والعطش والآلام التى تلقاها من التعذيب. كان الرجل القاسى يترك الطفلة أوقاتا طويلة وكلما استغاثت به انهال عليها ضربا ومع تعالى صرخاتها كان يزداد شراسة حتى بدأ فى تعذيبها بانتظام وهو يكيل اللعنات لها ولأمها. فجأة صمتت الطفلة وكفت عن استغاثاتها، ليس بسبب ما كان ينتابها من حالات إغماء بسبب التعذيب ولكنه كان الصمت النهائي، حيث أراحها الموت أخيرا من جحيم استمر لمدة قاربت الأسبوع. كانت قسوة قلب الرجل قد أعمت عينيه أن ابنته لم تذق طعاما ولا شرابا طوال مدة تقييدها. ولما بدا الرجل مضطربا عندما أخذ يقلب فى جسد الطفلة غير مصدق بوفاتها، أثار ذلك انتباه أحد الجيران الذى أبلغ الشرطة بكل ما حدث. كشفت المعاينة التى أجراها ضباط قسم شرطة السلام بإشراف اللواء محمود ابو عمرة مدير الادارة العامة للمباحث الجنائية بقطاع الامن العام واللواء محمود السبيلى مساعد مدير الادارة العامة للمباحث الجنائية بقطاع الامن العام عن أن جثة الطفلة بها آثار تقييد بالحبال وبها آثار ضرب بآلة صلبة فى مناطق مختلفة من جسدها، بينما أثبت الكشف المبدئى عن أن الطفلة قد ماتت بسبب هبوط حاد، حيث ظهرت علامات الهزال الشديد على الجثة مما يؤكد أنها حرمت من الطعام فترة طويلة. لم يجد الأب القاتل ما يقوله أمام النيابة سوى أنه كان يريد تأديب طفلته لأنها لا تسمع كلامه وأنها دائمة اللعب، لكنه لم ينكر ضربها وتقييدها وأنكر أنه حرمها من الطعام والماء مما تسبب فى موتها. فى الوقت نفسه توصلت تحريات المباحث التى امر بها اللواء علاء سليم مساعد وزير الداخلية لقطاع الامن العام إلى أن الأب كان عنيفا مع ابنته وازداد عنفه معها منذ انفصاله عن والدتها. وأمرت النيابة بحبس الأب أربعة أيام على ذمة التحقيق وعرض جثة الطفلة على الطب الشرعى لتشريحها لبيان سبب الوفاة.