حالة من عدم الاتزان المجتمعي، متعددة الأوجه.. تذهب فى معظم الأحوال من النقيض، إلى النقيض..أحد تجليات هذه الحالة فى تصوري، تلك الاحتفالية المعلنة و المشهرة على الصفحات، بصور لمجموعة من البنات قررن خلع الحجاب، وقمن بعمل نوع من الإخراج، لمشاهد طوحن خلالها بالطرح الملونة، وافترشن النجيل الأخضر الذى يتوسط بنايات فى كومباوند على ما أظن، واضعات اكفهن فوق بعض على طريقة تشير الى تكاتفهن معا. ماذا يعنى المجتمع كفضاء عام فى أمر سيدة أو آنسة، لبست أو خلعت الحجاب؟ ما الذى يخصنا، فيمن اختارت التحجب فى لحظة، ثم قررت التخلى عن الحجاب فى وقت؟ الخياران او اللحظتان هما داخل الفضاء الشخصى لصاحبتهما.. يعنى لا لبس الحجاب سوف يزيد فى الدين، ولا خلع الحجاب ينتقص منه.. هى أمور تخص أصحابها. تحميلها نوعا من الدلالات، واعتبارها امتدادا لأسماء أو رموز ارتبطت بمواقف فى تاريخ مصر، به من التزيد ما يستوقف المرء. مسألة احترام الحيز الشخصي، علينا أن نرسخها.. الحجاب أو عدمه خيارات شخصية لا شأن للفضاء العام بها واصطناع حالة احتفالية بلبس الحجاب يتساوى بنفس الحالة الاحتفالية التى تصاحب خلعه، يعنى باختصار احنا مالنا!؟ وليس للإعلام أن يسهم هو الآخر فى هذا التخبط، بصور مشاهير حاصرتنا بأخبار حجابهن يوم تحجبن، ويوم خلعن الحجاب.. فى الحالتين ينبغى التعامل على انها خياراتهن ولأسباب يعرفنها، ولا شأن لنا بها، ولا نريد تقعرات، وتفسيرات.. تزامن احتفالية خلع الحجاب السابق ذكرها، ظهور فنانات خلعن الحجاب فى صورة وكأنها تعتمد شكلهن الجديد بعد أن قررن خلع الحجاب، وذاعت وانتشرت وربما يتلوها كلام وكلام فى البحث عن الأسباب، وأتمنى أن يفوت الإعلاميون هذه الترنحات من النقيض إلى النقيض، وأن يبدأوا فى التعامل مع مثل هذه الأمور على أنها لا تخص الفضاء العام، فليس كل من خلعت الحجاب هدى شعراوي، ولا سيزا النبراوى كما كتبت بعضهن، فتلك الاسماء لها سياقات فكرية وتاريخية، ولهن من المواقف فى هذه السياقات ما يجعلنا، نأخذهن بالجدية والرمزية الواجبة، وكذلك ليس كل من وضعت الحجاب صارت رابعة العدوية يحق لها الشعور بأفضلية..صاحبات الحجاب يتعالين على من لم تغط شعرها، وخالعات الحجاب يشرن بدونية المحجبات، والخلاصة انك فى مجتمع لا يحترم فيه المرء اى اختلاف، ولا يرضى بغير التطابق. المظاهرة الاحتفالية والصور والكادرات على جسر فوق المية والنجيل والهتافات التى من خلالها عبرن عن أنفسهن خالعات الحجاب، كانت مثيرة للشفقة فعلا..تماما وبنفس القدر الذى كانت تثيره مواعظ المتحجبات على الشاشات...! أو الاعتقاد بأن للمحجبات حظوة، والذى كان يقحم البعض نفسه بموجبه، ليسأل سيدة او آنسة عن دينها، وفى قرارته يكمن نوع من الازدراء فى الحالتين: كونها مسلمة غير محجبة او لا تدين بالاسلام. أى مظهر يخص العبادة هو أمر شخصي، ولكل حقه فى احترام حيزه الشخصي، اما بطولة خلع الحجاب، وأفكار التحدى والمواجهة وغيره، فأمر أجوف ومدهش، والمدهش الى حد السخرية هو استخدامهن (بطلات خلع الحجاب)، لنبرة التفوق والتميز فى كلتا الحالتين.. وبآلية ساذجة.. فإن ارتدين الحجاب، فهن فى المكانة الأعلى وإن خلعنه، فكما كتبن، وسأحرص على نقل حرفى لوصفهن ذواتهن ( المجد لخالعات الحجاب والنقاب، وهن الواعدات البطلات، اللائى تشاركن الفرحة والسعادة والبهجة والحرية، وهن صاحبات المصداقية والشجاعة والمواجهة والتحدي)!. المجد فقط لخالعات الحجاب؟! ليه ؟ عشان خلعن الحجاب؟ لا، المجد لمن يضفن إلى مجتمعاتهن، لمن يفدن الحياة، وصاحبات البطولات هن الناجحات فى العمل والدراسة، للأمهات وسواء كن محجبات او غير محجبات. الحجاب أمر يدخل فى الحيز الشخصى بامتياز، نقطة ومن أول السطر . السطر السوي، الذى لا يفاضل بين الناس وفق معيار يخص عبادتهم، السطر الذى أوله يقوم على احترام قناعات الآخرين دونما ادعاء بطولات، هى فى النهاية بطولات من ورق!. لمزيد من مقالات ◀ ماجدة الجندى