هى قرابة الثمانية عشر كيلومترا على شاطئ المتوسط، اختارها بإبداع يتناسب مع فترة تأسيسها رجل البناء الكبير حسب الله الكفراوى سليل بناة السد العالي. أما لماذا الحديث عنها الآن فهناك كثير من الاسباب العامة والخاصة. الاسباب العامة تبدأ من دوامة البيروقراطية التى تأكل تلك المساحة الذهبية من الساحل الشمالي، فقد كان هناك اجتماع مفترض لمالكى الشاليهات بها وأخذت اضحك من ضراوة اختيار مكان الاجتماع فى أحد الاندية غير المعروفة للعامة وتقع فى دهاليز حوارى مصر الجديدة. ثم انقلبت ضحكتى الساخرة إلى ابتسامة ثقة فى دقة إدارة مصطفى مدبولى رئيس وزراء المحروسة الذى ألغى هذا الاجتماع الذى تمت الدعوة إليه بواسطة ما يسمى اتحاد الشاغلين، هذا الذى تسلم خزينة مارينا وهى تضم قرابة مائة وعشرين مليونا من الجنيهات إبان إدارة المهندس إبراهيم صبرى لها، ثم استقال تاركا إدارتها لما يسمى اتحاد الشاغلين ولينخفض هذا الرصيد خلال فترة لاتتجاوز العامين ليصبح قرابة العشرين مليونا تقريبا. ولما كان الموقع الساحلى فريدا فى طبيعته السياحية؛ لذلك اختار له مصطفى مدبولى واحدا من كبار خبراء السياحة وهو وزير السياحة السابق هشام زعزوع الذى مارس إدارة السياحة فى فترة سقوط الطائرة الروسية بالفعل الإرهابي، وشارك الرجل بما يفوق الطاقة للخروج من هذا المأزق البشع ثم ترك الوزارة ولم تشأ إدارة هذا الوطن أن تجمد خبرته، فأسندت له الإشراف على الثمانية عشر كيلومترا من شاطئ المتوسط الذى يحمل اسم مارينا. وللقارئ ان يسأل وهل من المعقول ان نتحدث عن مارينا البلاج والمصيف ونحن فى قلب فبراير الذى بلغت الحرارة فيه انخفاضا وصل فى بعض ليالى القاهرة لمستوى أربع درجات فوق الصفر؟ وأجيب: نعم لأن هذا هو الوقت الذى كانت تشهد فيه مارينا الاستعداد لمجيء ابريل فتبدو شواطئها مستعدة لاستقبال الربيع. وكان المهندس إبراهيم صبرى يعمل على رصف ما تهرأ فيها من شوارع ومبان فضلا عن اختبار حراس الشواطئ كما أنه كان العارف بأحوال كل فرد يعمل بها بحكم أنه كان ممن اشرفوا على بنائها فى أثناء عمله السابق كرئيس لجهاز القرى السياحية. وعندما تفرغ نفر مما يسمى اتحاد الشاغلين لمناقرته، فضل الرجل الاستقالة. وجاء هشام زعزوع ليحاول إعدال الحال المايل وكأن هذا البلاج الساحر قد أصيب بنفس ما اصابنى فى يونيو من العام الماضى حين تعثرت ساقى فى رصيف غير مرصوف بسوق مارينا لينكسر مفصل الفخذ ولأدخل فى دوامة جراحات متعددة ليكلفنى هذا الكسر ماهو فوق الطاقة من جراحة وتركيب مفصل صناعى ثم جلسات علاج طبيعى استمرت من السادس من يونيو حتى منتصف ديسمبر، على الرغم من أن الجراح الكبير حازم عبد العظيم كبير هذه المهنة لم يأخذ جنيها واحدا لعمق صداقتى مع أساتذته الكبار الراحلين. وتشهد وثائق مستشفى الصفا بالمهندسين بان ثمن المفصل الصناعى فقط تجاوز الثلاثين الف جنيه. ناهيك عن جلسات العلاج الطبيعى التى قامت بالإشراف عليها سيدة هذه الحكاية الاستاذة الدكتورة علا رجب مدمنة علاج البسطاء وتصل الليل بالنهار لجمع تبرعات لأقسام قصر العيني. وهكذا صار أحد ارصفة مارينا سببا فى عجزى عن الحركة لشهور. وهاهو فبراير قد حل وتفضل مصطفى مدبولى رئيس الوزراء ووزير الإسكان والمجتمعات العمرانية بإلغاء الاجتماع السرى للمختارين من شاغلى مارينا فى ذلك الزقاق المختفى فى مصر الجديدة. طبعا يدور صراع بين أجهزة وزارة التعمير رغبة فى بعض من ذهب ما تملكه مارينا من موارد، فجهاز القرى السياحية يحاول الفوز بدخل تأجير الشواطئ والمحال التجارية، ناهيك عن المحسوبيات فى التعيين فى وظيفة حارس شاطئ، وهى مهنة تتطلب تدريبا على إنقاذ اى إنسان يتعرض للغرق. ولا يوجد احد من السلاح البحرى يختبر هؤلاء المتقدمين. ولن أحكى عن كلاب حراسة البوابات والتى تفحص السيارات هل فيها متفجرات ام لا، لأنى ساكتفى بذكر ما قاله من يشرف على واحد من تلك الكلاب «تصور ان دخل الكلب أكبر من دخلى، فإيجاره شهريا أربعة آلاف جنيه بينما دخلى انا مرتبط بالحد الأدنى للأجور. وإذا سمعنا خبرة اللواء حسن حميدة وهو من أشرف لسنوات على استخدام الشرطة للكلاب فى الكشف عن المتفجرات، ها انا انقل ما قاله لى بالحرف الواحد: كلاب بوابات مارينا غير صالحة لاى حراسة او اى كشف. وعندما قلت: هل هى كلاب للزينة؟. ضحك قائلا: ياريت. ولم أسأله لماذا تستأجر إدارة مارينا كلابا من القطاع الخاص الذى لا يملك حتى من هم قادرين على رعاية تلك الكلاب التى لو كشفنا بيطريا عليها لاحتاجت الدخول لقسم الرعاية المركزة بمستشفى الكلب. ولقارئ أن يقول: هل تستحق مارينا سطورا عنها فى سيدة الصحافة العربية جريدة الاهرام؟ واقول: نعم تستحق لأن سكان مارينا هم جزء من كريمة المجتمع، فضلا عن أن أحدا لم يدخل ساحة خيالى وأنا أقوم بعمل المستشار الثقافى والإعلامى لصندوق التنمية التابع للأمم المتحدة وأدخر كل دولار كى أستطيع دفع ثمن الشاليه المكون من غرفتين وصالة وكان سعر الدولار ايامها جنيهين وثمانين قرشا، وكان ذلك بوهم أنى ساقضى شيخوخة مطمئنة كما هو حادث فى بلدان العالم المتقدم، فأصدقائى الذين هاجروا للولايات المتحدة وكندا اصر العديد منهم ان يمتلك منتجعا صيفيا، وأردت ان أحيا نفس درجة الراحة فى الشيخوخة. ولكن للأسف قضيت الصيف الماضى كله بين جراحة لإصلاح مفصل الفخذ المكسور بسبب الإهمال الجسيم المتقن الصناعة فى مارينا. أخيرا: ارجو ألا اكون مغاليا حين أطلب وضع مارينا تحت إشراف جهاز إدارى يقوم بالعمل دون هذا الترهل الجسيم خصوصا ان ماتحصله مارينا من مصاريف صيانة من شاغليها ستكفى وتفيض. ويا سيدى رئيس الوزراء إن ثمانية عشر كيلومترا من الساحل الشمالى تستحق منك ومن زميلك د. هشام زعزوع مزيدا من الرعاية. يبقى السؤال الحائر فى حلقي: ألا تستحق مائة مليون جنيه من مدخرات شاغلى مارينا أن تقول لنا الرقابة الإدارية أين طارت؟. لمزيد من مقالات ◀ منير عامر