أشار السيد رئيس الجمهورية في خطابه أمام قمة عدم الانحياز, وهو بصدد الحديث عن الأزمة السورية, إلي الواجب الأخلاقي والضرورة السياسية والاستراتيجية لمساعدة الشعب السوري الشقيق في محنته الحالية. مؤكدا وجوب التدخل الفعال لانقاذ هذا الشعب. وهي إشارة موفقة إلي حد بعيد وإن كانت تثير التساؤل حول معني التدخل الفعال في هذا السياق, وهو ما نسعي في هذا المقال إلي طرح مجموعة من الأفكار بصدده. والواقع أن المجتمع الدولي قد شهد خلال العقد الأخير من القرن العشرين حالات عدة من التدخل الفعال التي استندت جميعها, بدرجة أو بأخري, إلي استخدام مشروع أو غير مشروع من وجهة نظر القانون الدولي للقوة المسلحة متذرعة بالاعتبارات الإنسانية, وهو ما كان يشار إليه بالتدخل الدولي الإنساني أو إن شئنا الدقة فلنقل التدخل الدولي المتذرع بالاعتبارات الإنسانية. وكان من أشهر نماذج هذا التدخل ما قامت به الولاياتالمتحدةالأمريكية بتفويض من مجلس الأمن الدولي- أي بشكل مشروع من الناحية القانونية الدولية- عام1991 في الصومال في إطار ما عرف آنذاك بعملية استعادة الأمل, والتي انتهت نهاية مأساوية بانسحاب أمريكي مخز بعد أن سحل الصوماليون بعضا من الجنود الأمريكيين في شوارع مقديشيو أمام أعين الكاميرات الأمريكية ومن ثم الشعب الأمريكي. كان من أشهرها كذلك تدخل حلف شمال الأطلنطي عسكريا في كوسوفا عام 1998 دون تفويض من مجلس الأمن الدولي, أي بشكل غير مشروع من الناحية القانونية الدولية والذي لم يعرض عليه الأمر أصلا خوفا من الفيتو الروسي المتوقع, فأقدم الحلف علي استخدام القوة المسلحة علي خلاف ميثاق الأممالمتحدة حماية للمدنيين المسلمين أساسا في كوسوفا من حالة الإبادة الجماعية التي كانوا يتعرضون لها من جانب الصرب والكروات. وكان آخر نماذجها ما قام به حلف شمال الأطلنطي بتفويض هذه المرة من مجلس الأمن من استخدام القوة المسلحة لحماية المدنيين في ليبيا إبان ثورة السابع عشر من فبراير, وبغض النظر عن تجاوز الحلف للتفويض الممنوح له من مجلس الامن بحماية المدنيين, حيث عمل علي تدمير نظام حكم القذافي وإسقاطه, فإن تدخله قد حال دون إبادة جماعية كان سيمارسها نظام القذافي يقينا ضد الثائرين عليه في شرق ليبيا. إذا كان استخدام القوة المسلحة هو الوسيلة الأسرع والاكثر فاعلية لحماية المدنيين السوريين مما يمارسه بحقهم نظام قمعي فاقد للشرعية يقتل شعبه ويدمر مقدرات بلاده, فإن ثمة عقبات قانونية وسياسية عديدة تحول دون ذلك. فمن الناحية القانونية لن يتمكن مجلس الأمن وهو صاحب الاختصاص الوحيد في المجتمع الدولي المعاصر بالتفويض باستخدام القوة من اصدار قرار في هذا الصدد بفعل الفيتو الروسي الصيني. أما من الناحية السياسية, فإن هناك إجماعا يكاد ينعقد من كل الأطراف الإقليمية والعالمية علي عدم استخدام القوة في مواجهة النظام السوري بشكل مباشر, لأن الأوضاع الداخلية في سوريا والإقليمية في الدول المحيطة بها والقريبة منها تجعل أضرار ذلك التدخل المسلح أضعاف فوائده. هنا يبقي السؤال عن الحل, هل يكون بإنشاء مناطق آمنة لحماية المدنيين داخل الأراضي السورية بعد أن ضاقت باللاجئين السوريين دولتا الجوار المباشر تركيا والأردن, فضلا عن الأخطار التي تحيط بهم في دولتي الجوار الآخريين لبنان والعراق؟ وهو الاقتراح الذي تطالب به بعض الدول بالفعل الآن. وإن كان يبقي عائقا دون الأخذ به أن إنشاء منطقة أو مناطق آمنة علي هذا النحو إنما يستدعي فرض حظر للطيران السوري في هذه المناطق, وهو ما يستدعي استخدام القوة لضمان تنفيذه, الأمر الذي يعيدنا مرة أخري إلي معضلة أن مجلس الأمن لن يتمكن من إصدار قرار في هذا الصدد بفعل الفيتو الروسي الصيني المتوقع, هذا فضلا عن الخبرة التاريخية السيئة عندما يتم فرض مناطق آمنة دون وجود إرادة سياسية دولية موحدة حول هذا الأمر, حيث تصبح المناطق الآمنة في هذه الأحوال فخاخا لاصطياد المدنيين من جانب النظام القمعي التسلطي بدلا من أن تكون ملاذات آمنة لهم, ولعل أبرز مثال علي ذلك ما تم في مذبحة سربرنتشا بالبوسنة والهرسك عام 1995, والتي راح ضحيتها ثمانية آلاف مسلم فضلا عن نزوح عشرات الآلاف من المسلمين جراء العدوان الصربي, وذلك علي الرغم من أن مجلس الأمن الدولي كان قد اعتبرها منطقة آمنة. أم هل يكون الحل بتدخل المجتمع الدولي عبر اللجؤ إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة واستصدار قرار منها استنادا إلي صلاحياتها بموجب قرار الاتحاد من أجل السلام لعام 1950 والذي يخولها جانبا من صلاحيات مجلس الأمن حال فشله عن القيام بدوره في حفظ السلم والأمن الدوليين نتيجة لاستخدام بعض دوله الدائمة لحق الفيتو, فيطلب منها المجتمع الدولي إنشاء قوة لحفظ السلام في سوريا تدعمها الدول الإقليمية والدولية الفاعلة بكل صور الدعم اللازمة لنجاح مهمتها. وهو اقتراح وإن كان يبدو للوهلة الأولي منطقيا وممكنا, إلا أنه يبقي معرضا للفشل إذا ما أصرت الدولتان الكبريان روسيا والصين علي عدم دعمه أو غض الطرف عنه. هكذا فإن اللجؤ إلي الأممالمتحدة, سواء في ذلك مجلس أمنها أو جمعيتها العامة, يبقي أمرا لا يحقق في الظروف الراهنة التدخل الفعال اللازم لانقاذ الشعب السوري من جرائم الحرب التي تمارس بحقه. ومن ثم تبقي ممارسة مزيد من الضغط علي كل من روسيا والصين من خلال دول الجوار العربي وغير العربي التي تربطها بهما مصالح اقتصادية أساسا ضخمة للغاية من أجل تغيير موقفها الداعم لنظام الأسد, ويبقي العمل علي توحيد صفوف المعارضة السورية المشتته, وعلي دعم المقاومة المسلحة بهدف حماية المدنيين والأعيان المدنية من العدوان الغاشم من جيش فقد الولاء لشعبه, كما يبقي العمل علي تقديم كل أوجه الدعم المادي والمعنوي للاجئين السوريين في دول الجوار وللدول التي تستضيفهم لمساعدتها علي توفير ما يمكن من خدمات لازمة لهم. أقول يبقي هذا كله أضعف الايمان في دعم ثورة شعب علي حكامه الظالمين سعيا إلي أن يتنشق نسيم الحرية.