طفلة في العمر المضيء من الحياة شاغلتها الروح التي سلبت من طفلة أخري أمام عيونها وأرعبتها صور القهر والقتل والمذلة, لكنها ظلت عصية كالأرض التي أنجبتها علي الخوف والانهزام. كانت تراويح نساء حمص بكلمات خضبتها دماء الشهداء وصاغتها القلوب داعية الله أن يعجل النصر فتعلمتها وظلت لأيام تغنيها علي حجر أمها, ومع تزايد القهر أعلنت عصيان أبيها الرافض خروجها إلي المظاهرات خوفا عليها حتي فوجيء بها مع العالم علي الشاشات تغنيها مع عبد الباسط ساروت( حارس منتخب الشباب لكرة القدم ويعتبر أحد رموز الثورة زبانية النظام فيبدأون رحلة مطاردتها للقبض عليها وتجر البنت هياميزر الصالح أسرتها في منافي المطاردات حتي تستقر في إربد لاجئة وفارة تبحث مع والديها عن بيت يأويهم... عندما التقيتها مع الشيخ زكريا المسالمة كانت مع والديها ينتظرون منحهم بعض الفرش والأغطية. تعرفت عليها وقد صارت من علامات الثورة السورية حيث ألهبت مشاعر شباب حمص بأغنيتها مجاريح والتي تناقلتها الألسنة لتصبح أغنية الثورة السورية تستنجد بالله لخزلان العالم لهم يا الله مالنا غيرك يا الله.. عجل نصرك يا الله. سألتها من ألف هذه الكلمات ومن لحنها قالت أمي مع نساء البيت الذي نسكنه البياضية في حمص, قلت: كيف؟ قالت هيا الصالح ميزر: كنت أسمعها من أمي وبعض جاراتنا وقريباتنا عندما يجتمعن للحديث حول الثورة ولعدة ليال كانت سهراتنا تنتهي بأن يبتهلن الي الله ويدعينه لتخليصنا من بشار الأسد وحكومته فينقلب الابتهال والدعاء إلي أغنية علي نغمة من نغمات الفلكلور السوري: مجاريح يا شهداء مجاريح مجاريح علي فراقكم مجاريح مجاريح يا جنة افتحي أبوابك مجاريح شهداءنا من أحبابك مجاريح الله لا يوفق بشار مجاريح أنت يتمت الأطفال مجاريح قولوا الله يا شباب مجاريح الحرية صارت ع الباب مجاريح قولوا الله وعلو الصوت مجاريح حمصية وما نهاب الموت يا الله مالنا غيرك يا الله يا الله عجل نصرك يا الله يا الله الشعب أعزل يا الله... ... وحكت هيا ميزر الصالح11 سنة كيف كانت تستدعي الأغنية وهي تنظر من نافذة بيتها وتري جنود النظام يجمعون الشباب ويطلقون عليهم النيران ليتساقطوا كقطع من بلور نجفة تضيء ليل حمص.. شفت الظلم بعيوني... أنزلونا من منازلنا أطفالا ونساء ورصونا لنري كيف يهينون أباءنا.. مرة كان معهم عبد الباسط ساروت قاشوش بلبل حمص. تاني نهار عملوا كده.. صارو يذلوا أهالينا.. الأمن ما بيخاف الله.. جت دبابة وقفت أمام منزل يختبيء فيه عنصر من الجيش الحر وهو وليد ساروت شقيق عبدالباسط.. قصفوا البيت وهو به.. مخه طار في زاوية من المنزل وضربوا شاب من بيت خليف ودهسوا جسده تحت جنازير الدبابة, وأنا أري كل هذا من النافذة عندما رأني الجندي الذي بها ضرب علي هربت الي الحمام.. قصفوا البراد الثلاجة تناثر الأكل القليل محترقا في صالة المنزل... كنت أتذكر كلمات الأغنية فأردد بيني وبين نفسي مجاريح الله لا يوفق بشار. قلت لنفسي شو طالع بإيدي:... ولما حضر بابا قلت له بدي أطلع مظاهرات.. رفض. خرجت دون علمه كان عبدالباسط بين الشباب يغني.. قلت بدي غني سمع مني... وافق.. رسموا علي وجهي العلم حتي لا يعرفني رجال الأمن.. كان العالم يشاهد الحفل التي نقلت علي الهواء عبر بعض الفضائيات العربية. عرفني رجال الأمن.. عادوا ليقصفوا ما تبقي من جدران منزلنا.. أبي هربنا إلي دير الزور. هناك عرفني الناس.. وسألني شخص ما كنت أعرف انه مخبر ماذا يفعل أبوك؟ قلت: يستلم المعونات ويوزعها في البياضة والخالدية.. سألني أنت من غني مجاريح؟ قلت: آه, أبلغ عني. جاء الأمن داهم منزل عمي, حيث كنا وقبل أن يصلوا إليه كان الجيش الحر قد علم أن المخبر أوشي بنا فهربنا إلي القريا. ثم هربنا إلي تدمر عند عم آخر لي.. وهناك أيضا عرفت وطاردتني شهرتي بهذه الأغنية فهربنا إلي الشام( دمشق) عشان ما نجيب لعمي البلا ومن الشام جينا علي درعا طاردونا.. فهربنا عبر الحدود إلي الأردن. هنا ماني خيفانه.. بس ما إلنا بيت... هيا الصالح الطفلة ذات الأحد عشر عاما التلميذة أو التي كان من المفروض أن تكون تلميذة بالصف السادس الإبتدائي. كانت عفويتها تدمي القلب وتجرح الرجولة العربية. وهي تغني يا الله مالنا غيرك يا الله وجدتني وأنا أفارقها إلي مجاريح آخرين من اللاجئين أردد بيني وبين نفسي حانقا علي هذا التخاذل العربي انصرافنا عنهم إلي لهونا.. يا الله عجل نصرك يا الله يا الله الشعب أعزل يا الله.