«تشانج إي» هو اسم آلهة القمر فى الأساطير الصينية القديمة، و«تشانج إي-4» هو اسم مسبار أطلقه الصينيون مطلع الشهر الحالى إلى الجانب المعتم من القمر، ورغم أن الصين كانت عام 2003 ثالث دولة ترسل بعثة استكشافية للقمر بعد روسياوأمريكا، إلا أنها وسعت منذ ذلك الحين نطاق أحلامها الفضائية، مما سبب كابوسا للأمريكيين. فى هذه الرحلة الأخيرة، سبق الصينيون الجميع فى الوصول إلى الجانب الغامض من القمر، كما أن برنامج المسبار يوحى بأن لدى بكين أطماعا للتفوق على أمريكا، وللاستيطان فى القمر. فبعد هبوط المسبار، نشرت الإدارة الصينية الوطنية للفضاء صور نبات القطن الذى تم استزراعه مع نباتات أخرى فوق سطح القمر.. وعلى الأرض، وتحديدا فى جامعة «بيهانج» فى بكين يقوم الطلبة على مدى العام بتجربة أطلقوا عليها «قصر القمر-1»، وفيها يزرعون البطاطس والقمح والخضراوات فى بيئة تحاكى تماما بيئة القمر، معتمدين على الأكسجين والماء، حيث يتم تدويرهما من خلال نظام إعادة تخليق العناصر الحيوية. ويبدو أن تفاؤل المسئولين الصينيين ببرنامجهم الطموح، جعلهم يسارعون بإعلان عن مشروعاتهم القادمة، ومنها المسبار «تشانج إي-5» ،الذى سيأخذ عينات من القمر لإجراء التجارب عليها فى الأرض، والمسبار «تشانج إي-8»، وسيقوم ببناء قاعدة أبحاث دائمة، ومنازل على القمر باستخدام تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد. ورغم أنه بعد أقل من أسبوعين على إطلاق المسبار «تشانج إي-4»، أعلنت الصين أن بذور القطن التى تم استزراعها على القمر ماتت وتعفنت، إلا أن هذا الفشل لم يخفف من قلق الأمريكيين. فالتنافس بين بكين وواشنطن يتصاعد فى المجالات العسكرية والتكنولوجية والتجارية، ويأتى الفضاء ليزيد من تعقيد العلاقة بين القوتين. المتابعون لبرنامج الفضاء الصينى يعتقدون أن أطماع الصين الفضائية مثيرة للمخاوف لعدد من الاعتبارات، فهذا البرنامج يستهدف استغلال الموارد المتوفرة على سطح القمر، وإخضاعه للدراسة المستفيضة من مختلف الوجوه، بما يساعد فى المدى البعيد على تهيئته كمكان بديل يصلح للحياة المستدامة فى حالة استحالة الحياة على الأرض. ورغم أن الصين لم تعلن الميزانية التى ترصدها لبرنامجها الفضائي، إلا أنه من غير المستبعد أن تكون تلك الميزانية أكبر من مثيلاتها فى الدول الأخرى ذات البرامج الفضائية المنافسة، كروسيا واليابان والهند. ويضاف لذلك وجود شكوك أمريكية دائمة فى نوايا الصين، واحتمال استخدامها برنامج الفضاء فى التجسس على منافسيها، وضرب مصالحهم أو على الأقل تعطيلها. ويرتاب الأمريكيون أيضا فى الوسائل التى تتبعها الصين، ويتهمونها بسرقة التكنولوجيا ،بما يجعل الثقة فى الصين أو التعاون معها كشريك أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا. لمواجهة هذا التحدى الصيني، يقترح جيمس دوسو، الخبير فى مجال الأمن والدفاع، أن تسعى أمريكا للحفاظ على تفوقها فى الفضاء وفق استراتيجية فرض السلام من خلال القوة. والسبيل لذلك لايكمن فقط فى دعم وكالة الفضاء الأمريكية- ناسا- ولكن بتشجيع ودعم القطاع الخاص العامل فى مجال التكنولوجيا. وأبرز شركتين عاملتين فى هذا المجال هما «بلو أوريجن» و»سبيس إيكس»، وتمر الشركتان حاليا بظروف صعبة، فالملياردير «جيف بيزوس» مؤسس أمازون الذى يمتلك «بلو أوريجن» يُطلّق زوجته، ومن المحتمل أن يخسر نصف ثروته. و»إيلون ماسك» صاحب «سبيس إيكس» يواجه حاليا صعوبات فى تمويل أحدث ابتكاراته، وهى تكنولوجيا لإنتاج صواريخ يُعاد استخدامها بعد إطلاقها. تعاون الحكومة الأمريكية مع مثل هؤلاء المستثمرين فى مجال الابتكار يبدو السبيل الأمثل لمواجهة التحدى الصينى على الأرض، وفى الفضاء.