بناء الإنسان هو هدف الدولة وتوجهها فى الفترة الأخيرة، وقد لاقت تلك الدعوة الكثير من الترحيب بين الأوساط الثقافية. ذلك أن الثقافة الفكرية جزء من منظومة بناء الإنسان وتتكامل مع بناء التعليم والاقتصاد، فمصر تخطو بخطى ثابتة نحو الإصلاح الحقيقى وإن دفعت الثمن غلاء معيشيا نحياه جميعا ونحاول تحمله من أجلها مع اعتراض البعض هنا أو هناك. وأخيرا عقدت عدة مؤتمرات تشخص المرض وتضع الحلول من بينها المؤتمر الذى عقد فى المجلس الأعلى للثقافة بعنوان: التنمية الثقافية المستديمة وبناء الإنسان. وقد شارك فى هذا المؤتمر أكثر من 120 باحثا من مصر والوطن العربى وكان افتتاحا فخما يليق بمصر ومكانتها. والحقيقة أن الدكتورة إيناس عبد الدايم يحمد لها أنها بدأت فى استكمال منظومة السياحة الثقافية, ومعرض الكتاب هذا العام خير شاهد على ذلك من التنظيم واختيار الأسماء المشاركة من العالم. إن كل مؤتمر ناجح فى مصر خطوة فى اتجاه الإنعاش الثقافى وبناء الإنسان. والمنظومة تكتمل بلبنة علمية توضع هنا أو جملة إبداعية تكتمل هناك. وجزء أصيل من التنمية المستديمة للإنسان هو الحب الذى ضاع بين المرأة والرجل ولم نلحظ غيابه خصوصا بين الشباب، مما أنتجَ تفككا للمجتمع وزيادة فى معدل الطلاق بين المتزوجين حديثا مع أزمة الاقتصاد وغياب الثقافة. وتراجع دور الإعلام فى بعض برامجه التى تهتم بالفضائح السياسية والاجتماعية وتهمش دور الثقافة والعلم، وأيضا دور المسلسلات والأفلام المصرية التى تقدم صورة البطل المشوه، صاحب الصوت العالى والألفاظ النابية. هذه الصورة خلخلت المنظومة القيمية للناشئة, فلجأت إلى فن مستورد يخاطب روح الحب والفطرة لديهم، فما بين رومانسية مستوردة فى المسلسلات تصور البطل الثرى القادر على صنع المستحيل لحبيبته والبطل الآخر الدخيل على المجتمع الذى ينتجه الفن حاليا يضيع النموذج الهادئ والمرشد للشباب. وكلتا الصورتين مخادعة تضيع بينهما صورة الإنسان الحقيقى المكافح، وتهتز لدى الناشئة منظومة القيم التى تدعم المكافح وصاحب (اقتصاد السعادة)، هذا المصطلح الجديد الذى يعنى أن السعادة ليست فى الغنى الفاحش ولكن فى الرضا والقناعة بالقليل الذى يصنعه الإنسان بكد يده بل يتضمن جزءا من تعريفة الالتحام بالثقافة التى أنشأت من أجله كثيرا من دور العرض المجانية بقصور الثقافة، أو المسرح الصغير فى الأوبرا أو الندوات الشعرية أو غيره من المسارح والسينمات المجانية التى أنتجت بيد كتاب خرجوا من عباءة هذا الشعب الكادح وعبروا عن أوجاعه بفن راق يضفى السعادة على تلك الفئة الكادحة ويعلى من قيمة الحب والحياة، لأنه سيشاهد نفسه دون تزييف للواقع. لابد من إعادة وعى تلك الفئة لأهمية دور الثقافة بتشجيعهم على الذهاب فى عطلة نهاية الأسبوع إلى تلك المنافذ المنتجة للثقافة، لابد للدور التنموى أن يقوم بإعادة تشكيل الوعى .هنا تستعيد قصور الثقافة والإعلام مهمتها فى بناء الإنسان. إن نظرة واعية للمجتمع المصرى ولفنه من إنتاج علمى وأدبى فى ستينيات القرن الماضى تؤكد لنا أن الحب هو البطل الحقيقى فى صنع الإبداع الراقي. إنها ثقافة الحب، واقتصاد السعادة الذى جعل المبدع يتمسك بهويته العربية وينفتح على المنتج الغربي. والقارئ الحقيقى للتاريخ يتأكد من أن الحب هو اللبنة الأساسية التى تمسك عرى المجتمع من أن تنفصم فى لحظات ضعفه وأيضا فى قوته. وكتاب طوق الحمامة لابن حزم، وغيره من الكتب خير شاهد على ذلك. إنه الحب صانع الحياة واللبنة الأساسية فى بناء الوطن. لمزيد من مقالات شيرين العدوى