فى شكره لمن قدَّم له يدَ العون لترى تلك الدراسةُ النور قال: «ولا أستطيعُ نسيان صغيراتي: مريم ونوران وسارة زهرات حياتي، ومسرتها الكبري، فلولاهن لكانت هذه الدراسةُ أفضل» ! ولا يخفى على كل ذى بصر، قرأ تلك الدراسة بإمعان، وأمعن فيها النظر، وأعمل فيها الفكر أن فيها غبنا لبنياته الصغيرات، وتواضعا لا ينسجم مع جلال تلك الدراسة وبهائها، فهى إبحارٌ فى بحر النص السردي، سبح فى أعماقه د. محمد حسين أبو الحسن - الأهرامى حتى النخاع - ليخرج لنا لؤلؤا وأصدافا يعجب لها القارئ كلما قلب صفحات كتابه، إذ إنه فى كل مرة يُرجع فيها القارئ البصرَ فى صفحات الكتاب، ينقلب إليه البصر، بمعان جيدة وتعابير مدهشة وتحليل تحار لعقلية صاحبه العقول. وكاتب الدراسة فنان استطاع بمهارة أن ينحت بأنامله فى مفردات اللغة ويصوغها فى عبارات مُثقلة بالخيال المجنح، كيف لا وهو باحث رصين رضع الفصاحة والبيان من أثداء طبيعة الصعيد الجوانى البكر الأشبه فى تفردها وخصوصيتها ببادية الشعراء واللغويين، هذا إلى جانب أنه قارئٌ جيد للأحداث من حوله، ومفسرٌ جاد لتداعياتها بموضوعية بعيدة عن التحيز والانبهار. وتكشف الدراسة فيما تكشف عن أنه منذ تسعينيات القرن العشرين، عاشت المجتمعاتُ العربية شعورا بالإخفاق؛ إذ سافر الشباب بأحلام اليقظة إلى النجوم، وعادوا بيأس حرقته الشُهب، وسلكوا طرقا وعرة بُغية الوصول لضالتهم المنشودة، حيث رغد العيش والاستقرار، ولكنهم رجعوا بخفى حنين. وحيال ذلك المأزق التاريخى ألقى مبدعو الرواية أسئلة تعبر عن مدى الدهشة والرفض والاستهزاء، واتخذوا أشكال الكتابة والتعبير سلاحا لإثبات الذات، ودروعا ضد محاولات الإلغاء فى مجتمع قاهر عبثي، فكتبوا نصوصا تجترئ على المحرمات وتخترق الخطوط الحمراء وتطيح بأقنعة السلطة المستبدة، فتروى ظمأ الروح، وتشبع رغبات الجسد، من خلال تشييد بنى متاهية ذات دروب مُتشعبة، تكسر التقاليد البالية والقواعد المستقرة؛ بحثا عن حساسية جديدة، تنفلت من قواعد المحظور، وتبوح بدوافعها دون حاجز أو قيد. الدراسة، قراءة تفكيكية للمجتمع تعتنى بما هو هامشيٌ ومسكوت عنه، دون أن تكون بيانا سياسيا، وتعتنى بصورة واضحة بقص الحداثة وما بعدها، وسردية « الفوضى الخلاقة» فى زمن يموج بها باعتبارها وسيلة من وسائل الاستعمار الجديد. وقد جاء كتاب «النص السردى المتمرد» الصادر عن هيئة الكتاب فى مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة فضلا عن ثبت بالمصادر والمراجع، حيث سخَّر الكاتبُ محتوى دراسته الجادة فى سبر أرض المدونة الروائية البكر، وكشف تحولاتها وتضاريسها وشفراتها النصية بإصغاء متعاطف بوصفها ظاهرة إبداعية لا تقل تعقيدا عن عصرها، وتنفتح برحابة على الفنون الأخري، فتسقط الحدود بين الحقيقى والمُتوهم، وتغرم بالتمرد والخشونة الفكرية. وتلفت الدراسة إلى أن شباب المبدعين جددوا طرق بناء الرواية، وزوايا رؤية الذات والعالم، من خلال كتابات مهدت لتحولات فنية جديدة فى متن الرواية وبنائها النصى باستراتيجياته السردية، فى تجريب احتجاجى يجنح أحيانا بل كثيرا إلى البذاءة والقبح تعبيرا عن الرفض والاستنكار.