بفارغ الصبر كنت أنتظر أزمة منتصف العمر، بعد أن عبرت الثلاثين، فقد شوقنى لها صديقاتى الأربعينيات، كادت حلاوتها أن تلمس طرف لسانى من فرط حكاويهم، وتخيلت سعادتى عندما أعود مراهقة صغيرة تجرى خلف الفراشات المرسومة فى ذيل فستانها القصير، وتقطف الورود من حديقة الجيران خلسه بشقاوة العاشقين، وتحجل فى مشيتها الأولى مع صندلها ذى الكعب العالى، وترج ضحكاتها الساذجة سماء بيتها الذى امتلأ بأطفالها، متناسية مسئوليتها تجاههم، فقد أصبحت واحدة منهم ترفض، تتمرد، تعند، ترتمى فى أحضان موسيقى الهلس والصخب، تغلق آذانها عن العالم بسماعات تتدلى لهاتف لا يحتمل الخلافات والشكاوى الأسرية، ونهنهات الصديقات، فقط يصدر غناء وألحانا تتلوى معها قامتها يمينا ويسارا متسلطنه بعالم خيالى لا يسكنه إلا اثنين هى وآدم حبيبها، الذى تراه كما لم تره من قبل، تراه كما قابلته فى المرة الأولى، ترتدى لأجله ما يغريه للحديث معها، وما يجذب ناظريه، ويعرفان كلاهما أنهما مغرمان ببعضهما البعض لكنهما يتلذذان باخفاء حبهما عن الأعين، لا يشعر بهما إلا العاشقين، تحمل كل صباح زهرة فى فستانها تتندى بالعشق لأجله، ولا تتفتح إلا عندما تشم رائحته، يطل عليها وينبح صوته وهو يحاول إلقاء التحية، فتشعر بلذة اللقاء وتحمر وجنتاها ويملؤها الزهو وتسير شاردة الذهن، تحترم مرورها السيارات ويلقى عليها العابرين التحية عابئين بمحبه تعبر الطريق، افسحوا لها فالعاشقين عملة نادرة. يالها من معجزة سقطت من السماء لتنير الأرض بزورقها السرمدى!، تتجلى بمشيتها ورقتها وتدوركباليرينه نحيفه رافعه قامتها فى السماء، لا تعرف عن العالم الأرضي سوى أن بذرتها تسكن بداخله، ثم نما وانطلق باقى جسدها ونضجت حتى عبرت الأربعين، وحان الوقت لقطف بعض ثمار السعادة باكتمال النضج، ومكافأتها على جهد السنين مغروسة فى أرض رطبة تتحمل ثقل التراب وقلة القوت وعصف الرياح وتنفس عوادم الهم والآلام. حان الوقت لتكافأ على صبرها، ويالفرحتى التى لم تتم!، فقد تعثرت على عتبة الأربعين وسقطت فى غياهب جب المرض اللعين، وأعطتنى المرآة ظهرها، وانقلب الحال بدلا من دخولى منتصف العمر بكامل رونق المراهقات، قفز ت من فرط لهفتى إلى آخر العمر، ودخلته محنية الظهر كمرأة فى التسعين، وضاع حلم ارتداء الصندل ذو الكعب العالى إحدى علامات الأنوثه والجمال، فقد أكلت الهشاشه عظام قدمى، ووهنت ركبتاى وانكسر ظهرى وانحنى عمودى الفقرى، فطارت الفراشة من ذيل فستانى لم تحتمل العيش فى تربة قاسية، وأصبح الفستان فضفاضا يهف على جسد هزيل يخلو من المنحنيات والالتواءات المخملية، ولم يتبق سوى عكاز أتهيأ به للوقفة إلى جوار حبيبى الذى تحول إلى عصا أتكىء عليها فى اليد الأخرى، كفى لم يعد مهيئا للعشق، ولا فراغات لتشبيك الأصابع. لمزيد من مقالات ناهد السيد