«أمضيت بضع ساعات فى عالم اللاوعي. ذهبت إلى الجنة وعشت فى قصورها المشرفة على نهر الكوثر، ورأيت هناك عددا كبيرا من المفكرين والشعراء والفنانين.. وكل من ساهم فى تعمير الدنيا وتجميلها». كلمات عبر بها كامل الشناوى عن تجربته المريرة مع الموت، حيث غاب خلالها بوعيه ورأى الموت رأى العين قبل وفاته بعام واحد، وعاد مجددا للحياة، مؤكدا أن ما حدث له ليس أكثر من ببروفة للموت وأصبح أكثر يقينا بقرب النهاية. بعد أن ألمت به وعكة صحية شديدة عام 1964 ومنها أدرك أن شمعة حياته أخذت فى الذبول وان ما بقى من العمر ليس أكثر من ترقب وانتظار لحظة الانطفاء، والتى وقعت بعد عام، حيث رحل عن عالمنا فى نوفمبر من 1965. قضى الشناوى طفولته وصباه بجزيرة ثقافية ودينية، حيث درس بالأزهر، حفظ القرآن الكريم وقرأ الشعر فى سن مبكرة، وقد أتى على الكثير من المؤلفات المتنوعة الثقافية فى مكتبة والده الذى كان يشغل قاضيا شرعيا لمحكمة مركز (أجا)، الشيخ سيد الشناوى الذى اختار له اسمه تيمنا بالزعيم مصطفى كاملا لوطنيته وكفاحه. فقد ولد كامل الشناوى فى السابع من ديسمبر 1908 بقرية نوسا البحر محافظة الدقهلية. وحوله ستة من الأشقاء من بينهم الشاعر الصحفى مأمون الشناوي. شب كامل الشناوى على حبه للشعر واكتشف أنه شاعر فى الخامسة عشرة من عمره حتى ذاعت شهرته بين الناس ولم ترض طموحاته أن يصبح شاعرا فحسب، فقد شق طريقه إلى عالم الصحافة مصححا فى جريدة كوكب الشرق عام 1930، ولم تمض أعوام قلائل حتى أصبح صحفيا مرموقا وتوطدت صداقاته بأعلام السياسة والأحزاب والقمم الصحفية والأدبية كان بينهم العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وانطون الجميل وأحمد شوقي، انضم بعد ذلك إلى جريدة «الوادي» ثم إلي «روزاليوسف»، حيث أعطى كل وقته وإنتاجه لها. وانتقل عام 1936 إلى جريدة الأهرام ليعمل فى سكرتارية التحرير ويكتب باب «خواطر حرة» حتى أصبح رئيسا لقسم الأخبار. تعلم دروسا كثيرة فى مؤسسة الأهرام فى الكتابة الصحفية والتعامل مع المصادر، كتب الخبر والتحقيق والمقالة والدراسات الأدبية، وقدم سلسلة من الأحاديث الصحفية، وفى عام 1952 عمل رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية، وفى ديسمبر عام 1962 عين رئيسا لتحرير جريدة الأخبار وظل بها حتى وفاته. جاء ذلك فى كتاب كامل الشناوى آخر ظرفاء ذلك الزمانا للكاتب يوسف الشريف:لم تكن موهبة كامل الشناوى الشعرية المتفتحة وحدها هى كل مؤهلاته للصحافة ومجتمعات الفنانين والسياسيين ومجالس الأدباء، بل كانت مؤهلاته الأساسية فى مقتبل حياته تكمن فى السخرية بكل ألوانها من النكتة إلى تقليد الأصوات إلى المقالب، حيث كان أكثر ظرفاء عصره وأوسعهم اطلاعا وثقافة وفهما لطبائع البشر. لم يتعلم كامل الشناوى الصحافة فى المعاهد المتخصصة للصحافة، ولكنه تعلمها فى مدرسة الممارسة والتجربة، فكان يتردد على المكتبات لاقتناء كل جديد فى الفكر، ومما لاشك فيه أن تكوينه الثقافى العصامى فى صدر شبابه قد أفاده كثيرا فى عمله. فكانت الفلسفة وعلم النفس والتاريخ والسياسة، ومختلف الفنون والآداب العالمية أساس ثقافته. وأيضا جميع ما أنتجه الفكر العربى منذ العصر الجاهلي، وكان يحفظ آلاف الأبيات للشعراء القدامى والمحدثين، وكانت له ذاكرة أشبه بجهاز التسجيل. أطلق عليه العديد من الألقاب، منها الشاعر الحزين وشاعر الليل وشاعر الحب والحرية، فهو شاعر ساخر اختلطت دموعه بكلماته، ونظم من أشواقه أروع القصائد وأكثرها مأساوية، فكان الحب دائما ماءه وهواءه ومحور حياته. فرغم انه كتب فى كل أغراض الشعر وصفا، ومديحا، وحماسا، ورثاء، ولكن الحب استحوذ على معظم اهتماماته الشعرية، وفى قصائده العاطفية يكاد المرء لا يحس انه يقرأ شعرا وإنما حكاية مغناة، ظهر ذلك فى قصيدته الشهيرة «لا تكذبي» التى غنتها «نجاة»،غنى له أيضا عبدالحليم حافظ قصيدتى «لست قلبي» و«حبيبها»، فهو القائل «الحب جحيم يطاق.. والحياة بدون حب نعيم لا يطاقا». أما شعره الوطنى فكان إيقاعا هادرا بالجمال والإقدام والأمل ولعل قصيدة «أنا الشعب» التى شدت بها أم كلثوم توضح بجلاء خاصيته الشعرية المتميزة فى هذا المجال. كما غنى له محمد عبد الوهاب قصائد «الخطايا»، «كنت فى صمت مرغم»، «لست أدري». وغنى له أيضا فريد الأطرش «قصيدتى» «عدت يا يوم مولدي» و«لا وعينيك» وله العديد من المؤلفات منها كتاب «زعماء وفنانون وأدباء» و«حبيبتي» وهو مجموعة من رسائل الحب و«بين الحياة والموت» و«الذين أحبوا مي» و«أوبريت جميلة» واعترافات أبو نواس ثم ديوان لا تكذبي الذى ضم مجموعة من قصائده. كل ما كان لم يكن وأنا لم أعد أنا بهذه العبارة الشعرية الموجزة لخص كامل الشناوى حياته وفلسفته، ماضيه، وحاضره ومستقبله.