► قيمة صادرات المنسوجات لا تتعدي 2٫5 مليار دولار سنويا ► المنتجون: صناعتنا بخير وتستوعب أكثر من 1.2 مليون عامل ► صناع النسيج يسعون للتطوير وتعويض التكلفة المرتفعة بزيادة الإنتاج ► المنافسة تتطلب ميكنة حديثة وعمالة ماهرة وخططا تسويقية ► مساندة القطاع الخاص للخروج من عثرته بتحفيز الاستثمار وتمويله من البنك المركزى.. والقطاع العام مظلوم لقدم آلاته وعدم تطويره من نصف قرن ريادة صناعة الغزل والنسيج المصرية في الاقتصاد المصري، وسمعتها العالمية التي ابهرت العالم قبل نصف قرن، كلها اختفت وتوارت خلف سياسات أهملت زراعة القطن وأدت إلي تراجع صناعته وتسويقه محليا وتصديره عالميا، ساعد علي ذلك المنافسة الشرسة التي وصلت إلي حد الحروب المنظمة ضد الذهب الأبيض المصري الذي غزا العالم سنوات طويلة فتنازل عن عرشه وخلع تاجه، لكن حتي الآن فالأمل معقود علي رجال هذه الصناعة وروادها وخبرائها الذين لا يعترفون بالفشل ولا يخافون من التحديات، وهذا ما لمسناه من بعض رجال الصناعة الذين لا يزالون يحتفظون بتفاؤلهم ولم يتخلوا عن الأمل فاستمروا في تحقيق النجاح ورفعوا شعار «صنع في مصر» في أوروبا وأمريكا، ولم يشعروا بيأس من تعثر أو توقف مصانع محيطة بهم، وظهرت من بينهم نماذج ناجحة لدرجة باهرة تبشر بعودة قوية لهذا القطاع الحيوي، سألناهم عن رؤيتهم لأزمة الغزل والنسيج في مصر، وأين نحن علي المستوي العالمي. «تحقيقات الأهرام» قامت بجولة في مجموعة من المصانع في المنطقة الحرة بالإسكندرية، يختص كل منها بواحدة من مراحل صناعة الغزل والنسيج، وبدأنا بأحد مصانع تجهيز خيوط الغزل حيث التقينا بالمهندس سيد الوكيل مدير التشغيل الذي أوضح أن المصنع يضم ماكينات لحرق وبرة الغزل وأخري لتنعيمه، وكيه، وماكينة للتبييض وأخري للتجفيف، لتجهيزها لنسج المفروشات، وتعتمد علي تصميمات غاية الرقي من التطريز. كما أطلعنا علي ماكينات صباغة الفتلة التي تتداخل مع النسيج العادي لانتاج مفروشات منزلية من مفارش السفرة وأطقم الأسرة، ويتولي عامل فني مدرب رقابة ومتابعة نسبة الصبغة وعمل الماكينة وانتظامها وفق المواصفات والنسب المطلوبة ويتم اختيار ألوانها وفق تجهيزات خاصة ترتبط بنوعية وخامة القماش حسب الكمية المطلوبة.
هدف يومي وأضاف الوكيل : العمال في المصنع يعملون وفق هدف يومي للإنتاج يصل إلي 170 ألف متر لجميع أنواع الأقمشة بداية من 100% قطنا إلي 100% بوليستر , وهناك أقمشة من البوليستر نقوم بتصديرها وتصنيعها بعملية غزل. وفي مصنع التفصيل والتجهيز النهائي للمفروشات وتغليفها للتصدير التقينا ب «انتصار أحمد» مديرة المصنع، التي أوضحت أنها بدأت تعمل في المصنع مع بدايات نشأته قبل نحو ربع قرن فور تخرجها في المدرسة حيث تلقت تدريبها بالمصنع وتدرجت في العمل به حتي وصلت لمنصب المديرة، وتتولي اختبار كل من يبدي الاستعداد للعمل بالمصنع والذي تتواصل دوريات العمل فيه علي مدار 24ساعة يوميا، بينما مرحلة التشطيب اليدوي فترة واحدة من 7 صباحا حتي 3 مساء، ولتمكيننا من تحقيق الإنتاج وضمان الجودة تم زيادة 40 ماكينة إلي 80 ماكينة حديثة معدل إنتاج الواحدة 1000 قطعة. وفي موقع فرز المنتج قبل تغليفه التقينا حسن علي - عامل فرز - الذي أوضح أن مهمته التخلص من المنتج الذي يحتوي علي عيوب أو غير نظيف أو به أخطاء الخياطة، بحيث نضمن تغليف المنتج بأعلي درجة من الجودة. أما عبد الله أحمد المسئول عن مجموعة التشغيل فقال إن مهمته توزيع أوامر التشغيل علي العمال، بحيث نتسلم من الإدارة في الصباح الأوراق برسوم وفي نهاية اليوم تخرج منتجات مفروشات مغلفة ومعبأة في حاويات. عمال في ورش التفصيل وقف المساندة وأكد المهندس سعيد أحمد رئيس المجلس التصديري للمفروشات أن صناعة الغزل والنسيج ذات مستقبل واعد إذا ما نفذت الحلول الصحيحة، ففي عام 2002 بلغت قيمة تصدير المنسوجات المصرية 4 مليارات دولار ارتفعت إلي 27 مليارا عام 2010، وللأسف لم نتمكن من الحفاظ علي ذلك المعدل، ولا يتعدي أقصي مبلغ 2٫5 مليار دولار في العام في حين أن دولة بنجلاديش تصدر بنحو 35 مليار دولار, وباتت القدرة التنافسية مع الدول التي استحوذت علي نسبة 91% من سوق الصادرات تمثل التحدي الأكبر للقائمين علي هذه الصناعة، ولاسيما أن قوة هذه القدرة ترتبط بثلاثة محاور «الزراعة والصناعة والتسويق» وتكلفتها، وحاليا في ظل ارتفاع سعر الطاقة والأجور ومستلزمات الإنتاج ترتفع قيمة التكلفة وتتقلص فرص التنافس للتصدير، ولتطوير الصناعة ومواجهة ارتفاع التكلفة لابد أن تقوم الدولة بإعادة المساندة التصديرية التي توقفت منذ عامين لرد الأعباء والتقليل من التكاليف لنستطيع مواكبة الدول الأخري والتي تتلقي المساندة والدعم من دولها لزيادة قدرتها التنافسية. فدولة كالهند تمكنت خلال 10 أعوام من أن تكون أكبر مصدر غزل في العالم، بعد أن نجحت في تنفيذ الخطة التي وضعتها لزراعة القطن قصير التيلة ومكنها ذلك أن يصل القطن إلي السعر العالمي والذي يبلغ 1700 جنيه، وفي المقابل مصر لا تزرع هذه النوعية من القطن بما يغطي مستلزمات الصناعة ويبلغ سعر قنطاره 2200جنيه وطويل التيلة 3400 جنيه، مما يرفع تكلفة المنتج 35% عن السعر العالمي والدول الآسيوية المنافسة. وأضاف أن المصانع تواجه مشاكل عديدة ولا تعمل بكامل قدرتها لارتفاع التكلفة مما زاد تعثر عملية التصدير، وتقلصت دوريات العمل بالمصانع لدورية وحيدة بدلا من 3 فترات واضطر صناع الغزل والنسيج الكبار في المحلة لغلق مصانعهم أو تحويلها إلي مدارس, وآخرون استدانوا وبعضهم سجن لإفلاسه وعجزه عن سداد مديونياته بعد الاقتراض من البنوك التي لا تقبل وضع أموال مودعيها في مصنع متعثر واحتمالات خسارته كبيرة، لذا لابد أن تتفهم الدولة أن التزامها بالمساندة التصديرية لها عائدها المباشر علي الاقتصاد القومي وليس فقط المصانع. عامل يتابع مراحل صباغة الأقمشة التطوير والتعويض وأوضح أن صناع النسيج لا يبتغون سوي التطوير والتعويض عن التكلفة المرتفعة بزيادة الإنتاجية، ومحور الصناعة يرتكز في تحديث ميكنة أدواتها وهو الأمر الذي يتطلب ضخ مزيد من الاستثمار وتمويلهم من البنك المركزي مع مراعاة وضع آليات تتوافق مع حجم الصناعات لتحفيز المصانع الصغيرة والمتوسطة، وتساعد في تدريب العمالة فنيا وتحديث المصانع لضمان الإنتاجية العالية وجودة منتجاتهم، فبالميكنة الحديثة والعمالة الماهرة والخطط التسويقية الجيدة نستطيع أن ننافس الدول. القطاع العام مظلوم ووصف رئيس المجلس التصديري للمفروشات القطاع العام بأنه »مظلوم« لقدم ميكنته وعدم تطويرها منذ نحو نصف قرن، لكن الآن الدولة تقوم بإحياء هذه الصناعة من جديد، ووزير قطاع الأعمال يبذل مجهودا كبيرا في سبيل تطوير تلك الصناعة ومعالجة أسباب الخسائر والمديونيات، ومن وجهة نظر اقتصادية بحتة فإن القطاعات الصناعية التي تسبب خسائر ومحاولات إصلاحها ميئوس منها يعتبر التخلص منها بالبيع «أجدي». خطوات ايجابية وقال : من الخطوات الايجابية التي اتخذتها الدولة زيادة المساحة الزراعية للقطن الي 320 ألف فدان بزيادة 100 ألف فدان عن السابق، وهذا مؤشر جيد وكذلك عودة تشغيل المحالج بآليات وميكنة حديثة وإنشاء محالج حديثة في الصعيد كبديل عن المحالج القديمة التي لا تعطي إنتاجية، فبطبيعة المصري وتاريخه لا يعرف الفشل، وسننجح بإذن الله، وبرنامج الإصلاح الاقتصادي المطبق الآن ليس أمامنا بديل عنه، بل إن تأخر تنفيذه حمل الجيل الحالي أعباء السنوات والحقب الماضية، والرئيس عبد الفتاح السيسي يبذل أقصي مجهود لجلب الاستثمارات من الخارج وزيادتها في مصر ورأيت ذلك في أثناء حضوري معه مؤتمرات باسبانيا، وشاهدته وهو يقنع المستثمرين هناك للعمل بمصر في كل المجالات, والواجب علينا جميعا العمل وتحديد مشكلاتنا وحلها وفق الإمكانيات المتاحة للوصول لأعلي إنتاجية، حتي لو بتكلفة عالية، فالدولة غير مطالبة بأن تكون مسئولة عن نوع معين من الصناعات فكل مصانع النسيج في الدول الأوروبية تابعة للقطاع الخاص وأغلب دول العالم ليس فيها قطاع عام، وكل ما ننشده من الدولة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها أن تتجه لمساندة قطاع الغزل والنسيج للخروج من عثرته. صناعة واعدة وأضاف : من خلال منبر «الأهرام» أقول للرئيس السيسي :«صناعة الغزل والنسيج بخير، ولكنها في حاجة لنظرتك إليها والاطلاع علي رؤية الصناع والاهتمام برأيهم في كيفية تطويرها والتغلب علي مشاكلها، لأنها صناعة واعدة وذات عمالة كثيفة جدا وتستوعب ما يفوق 1.2 مليون عامل، بخلاف مئات الآلاف بالصناعات المغذية لها، ونحن في أشد الحاجة إلي التطوير ولكي يتم ذلك توجد مراحل لابد من مناقشتها، والقطاع الخاص لو لم يداوم علي تحديث الميكنة وملاحقة كل تطور بهذه الصناعة سيكون مصيره أسوأ من القطاع العام، لاسيما أنه لن يجد من يدعمه ويتحمل عنه أعباء الخسائر المتوالية، فتحديث الصناعة بات أمراً حتميا لتتابع إنتاجيتها، فعلي سبيل المثال فكرة بناء 750 مصنع غزل ونسيج في مدينة السادات التي طرحت مؤخرا، هل تم التفكير وتدبر من أين نأتي بالقماش لتشغيل هذه المصانع؟ وما حجم الإمكانات المتاحة لتوفير الماكينات التي تعطينا الغزل ليكفي هذا الكم من المصانع الجديدة؟! نموذج للتميز والتحدي وعن سبل تحدي رجال الصناعة لأمواج وطوفان المشكلات والتحديات العاصفة التي تحيط بمجال صناعة الغزل والنسيج في مصر حاليا، وبوصفه نموذجا للتميز والإبداع وتمكنه من الصعود للقمة والثبات في مواجهة الأزمات حتي أصبح الماركة المفضلة في صناعة المفروشات لأعتي القصور الملكية بالعالم «قصر باكينجهام» قال المهندس سعيد أحمد: بدايتي كانت من الصفر، حيث كنت أقيم في مدينة مانشستر بانجلترا وعملت في التجارة بالقماش المصري بعد أن أقوم بصباغته في إسبانيا وتفصيله وبيعه في أسواق انجلترا، ومن مصانعها حصلت علي خبرة كبيرة ، وفي أوائل التسعينيات قررت العودة للحياة في مصر وبدأت العمل بهذه الصناعة بطموح ليس له حدود، لدرجة أني دونت مقولة علي باب غرفتي the sky is the limit of our ambitious بمعني «طموحنا بدون حدود»، فلم أعمل بصورة عشوائية بل كنت حريصا علي تحديد أهدافي، وأضع مخططا لتنفيذها حيث قررت أن تكون تجربة في الصناعة لمدة سنة وبنجاحها انتقل للمنطقة الصناعية، وفي حال إخفاقي أظل تاجرا كما كنت، ورغم صغر نواة عملي بمصنع صغير كان عبارة عن غرفتين وصالة وقطعة أرض خالية أمامها «بسموحة»، وحينها قمت بتعيين كيميائيين للتدريب علي المصابغ، ونجحت وذهبت للمشروعات الصغيرة في برج العرب وحصلت علي 1200 متر وقمت بالعمل ونجحت وبعدها بعام وصلت المساحة 2400م، وبعد ذلك قررت بدء الصناعة من الغزل والنسيج والصباغة والتجهيز، ثم انتقلت إلي المنطقة الحرة علي مساحة 4000 م وبالتدرج وصلت ل 80 ألفا في المنطقة الحرة تضم 14 مصنعا، وواكبت كل هذا العمل خطة تسويقية للدخول في أسواق جديدة بمنتج حديث ذي جودة فائقة وسعر منافس، ودعم ازدهار صناعتي خبرتي بالسوق الأوروبية وتحديدا البريطانية وهو ما ميز تجربتي عن المنافسين من دول آسيا، حيث أدركت أن صناعة الغزل والنسيج لن تستمر في انجلترا وستزدهر في الدول الآسيوية، وتحقق حدسي، ولم تهتم الدول الأوروبية بهذه الصناعة لارتفاع تكلفتها، ولجأت اضطراريا لاستيرادها من الدول الآسيوية رغم قلة جودة منتجها، ومن هنا جاءت فكرتي لشراء ماكينات أوروبية حديثة وقطن مصري لضمان الحصول علي إنتاجية وجودة عاليتين تمكناني من منافسة الدول الأسيوية، وساعدني علي تحقيق هدفي معرفتي الوثيقة بطبيعة السوق الأوروبية. وأول منتج قمت بتسويقه في إنجلترا كان عبارة عن حاوية مفروشات ومن أجل نجاح دخول منتجي لهذه السوق، اضطررت لشراء حاويتين لمنتجات صينية من المورد حتي يتسني له شراء منتجاتي، وقمت ببيع المنتج الصيني لوكيلها بأقل من قيمتها، ثم اتفقت مع المورد الذي كان يحصل نسبة ربح 9% من الوكيل الصيني، بالبيع له بنسبة تقل 30% حتي يتوقف عن الاستيراد من الصين ويأخذ المنتج المصري فرصته للانتشار في السوق الأوروبية، فكان لابد من التضحية ماديا والبيع بسعر منخفض عن السوق في البداية، وبعد وجود المنتج المصري والإقبال عليه بالسوق الأوروبية بدأ المنتج الصيني يتراجع أمام منتجاتنا، الآن أصبحنا المسئولين عن جميع المفروشات في فنادق انجلترا والقصر الملكي، حيث نضع علي كل قطعة من المفروشات شعار التاج الملكي البريطاني ولا يتم تكرار تصميمات مفروشاتها إلا بناء علي طلبهم، وكل هذه المنتجات تصنع في سرية ولا تعرض في السوق بانجلترا، ويقتصر توريدها علي موردي القصور الملكية، وما أفخر وأعتز به أني أول من أدخل المنتج المصري في انجلترا عام 1988حين كنت أقوم باستيراد القطن المصري وتصنيعه في مصانع انجلترا والبرتغال، كما كنت أول من أدخل المفروشات المصرية في انجلترا وقمت بفتح جميع الأسواق بالدول الأوروبية حتي وصلت إلي أمريكا، ودخلت هذه المعارض لتسويق القطن المصري ورفعت شعار «صنع في مصر»، وبلغت نسبة التصدير من مبيعاتي 99% من اجمالي انتاجي منذ عام فقط، حيث اشتريت مصنعا خاويا في المنطقة الحرة بالاسكندرية بمساحة 7000 متر وجهزته بخطوط إنتاج للحاف والمخدات وبيعها في السوق المحلية، وعملت وفق معادلة متوازنة تناسب المستهلك المصري بتوفير منتج يتميز بسعر بسيط وجودة عالية، فبينما يتراوح سعر القماش الصيني بين 220 و280 جنيها، لا يتعدي المصري من 150 الي 190 جنيها، رغم أنه أجود من منافسه الصيني، ونتيجة نجاح وانتشار منتجاتنا بالسوق المصرية، فقد قمت بإنتاج ماركة جديدة في مصر تنافس الماركات العالمية، كما يجري الإعداد لماركة جديدة أحضرت لها فريقا متخصصا من الأوروبيين لتكون علي أعلي مستوي.