اللغة هى عنوان الهوية، والشعوب التى تفرط فى لغتها تفقد هويتها الوطنية والقومية بسهولة، وهذا هو المدخل الذى يتسرب منه الاستعمار الجديد، الذى لم يعد يستخدم الجيوش النظامية والآلات الحربية، ولكنه يستخدم الثقافة لتغيير هويات الأمم فيسهل السيطرة عليها، وفرض أسلوب حياته وثقافته عليها. واللغة العربية واحدة من أهم اللغات الحية، وهى لغة الشعر، فن العربية القديم المتجدد الذى عرفناه بها وعرفناها به، كما أنها لغة البدايات المبكرة للكثير من العلوم التى وضع العرب الأولون مبادئها وألفوا فيها كتبًا لا تزال مراجع مهمة فى مجالاتها حتى اليوم. وفى اليوم العالمى للغة العربية، تعددت المبادرات والجهود فى العديد من الدول العربية، للحفاظ على الفصحى بجمالياتها، وبلاغتها، وقوة مفرداتها وتراكيبها، وأبرز تلك الجهود كانت فى مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة. فى الإمارات، أعلن الشيخ الدكتور سلطان القاسمى عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ورئيس مجمع اللغة العربية بالشارقة مبادرة جديدة متمثلة فى تأسيس «رابطة اللغة العربية»، وتضم علماء اللغة والباحثين من مختلف دول الوطن العربي. مؤكدا أن الأمة العربية تعيش اليوم فترة من التغريب فى مختلف مجالات الحياة، وهذا يتطلب بذل مزيد من الجهود فى دعم اللغة العربية وتعزيز الهوية العربية بين أبنائها. كما أعلن الشيخ القاسمي، أن المعجم التاريخى للغة العربية الذى يشرف عليه كبار علماء اللغة العربية والهيئة الإدارية فى اتحاد المجامع اللغوية العلمية بالقاهرة، فى طريقه ليرى النور فى المستقبل القريب. وكشف عن أهم الخطوات التى تم إنجازها فى مشروع المعجم، وهى إنشاء مدونة اللغة الحاسوبية المنتقاة بعناية، التى تضم ما يزيد على عشرين ألف مجلد، وهى جاهزة ومعالجة حاسوبياً وقابلة للبحث، إضافة إلى إنشاء اللجان العلمية فى تسع دول عربية بالتعاون مع المجامع اللغوية المختلفة فى تلك الدول. وقال القاسمي: «نحن نؤرخ فى مشروعنا هذا، ليس لفترة زمنية قصيرة، وإنما نؤرخ لسبعة عشر قرناً، ولجميع الألفاظ الخاصة باللغة العربية فى جميع العصور، ابتداءً من العصر الجاهلى إلى عصرنا الحالي، علاوة على البحث فى النقوش القديمة والنظائر من اللغات السامية». جاء ذلك خلال الكلمة التى ألقاها حاكم الشارقة فى حفل تكريم الفائزين بجائزة الألكسو - الشارقة للدراسات اللغوية والمعجمية بدورتها الثانية، والذى أقيم فى منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) فى العاصمة الفرنسية باريس، تزامناً مع احتفالات منظمة اليونيسكو باليوم العالمى للغة العربية. وفى مصر، التقينا د. عبد الراضى عبد المحسن عميد كلية دار العلوم العريقة بجامعة القاهرة، الذى أكد أن الكلية، منذ إنشائها عام 1871 تعمل على الحفاظ على اللغة العربية تأصيلا وإبداعا، وهى المهمة التى حددها لها على مبارك باشا، وقامت بجهود كبيرة طوال تاريخها، فى الجمع بين الأصيل والمعاصر من خلال أربعة عشر مجالا ومحورا، منها الحفاظ على الفصحى كتابة ونطقا، وتعليم العربية للناطقين بغيرها، بحيث تنتشر اللغة فى ربوع العالم، وهو ما بذلت فيه الكلية مجهودا كبيرا، ووضعت قواعد مهمة، وأقامت الندوات والمؤتمرات، وأصدرت الكتب والمؤلفات من أجله، وعملت أيضا على استغلال وسائل الإعلام المختلفة، عن طريق أبناء الكلية المنتشرين فى مختلف وسائل الإعلام. وأشار إلى أن الكلية كُرِّمت هذا العام من خلال الملتقى الذى أقامه مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود لتعليم اللغة العربية، وشاركت فيه بفعالية. وأثنى د. عبد الراضى على فكرة تكوين رابطة للغة العربية، التى أعلنها القاسمي، وقال إن مثل هذه الروابط تحافظ على الترابط بين دارسى اللغة العربية والمهتمين بها، وأيضا تكوين نواة لعمليات تطوير أكبر، للعناية باللغة درسا وبحثا وممارسة، فلا شك أن العمل المنظم يأتى بنتيجة أكثر فعالية من أى عمل آخر. وأوضح أن دار العلوم بدأت بالفعل إجراءات تأسيس رابطة خريجى دار العلوم، حرصا على استمرار اللقاء الذى يتكرر مرتين كل عام للخرجين فى الكلية، والعمل على تطوير هذا الأمر ليصبح رابطة. وعن المعجم التاريخى للغة العربية، أشار إلى أن مثل هذا المعجم سيكون، بلا شك خادما للغة العربية، لأنه سيبحث فى تطور اللفظ، واستخدام الألفاظ والكلمات المختلفة، والدلالات التى تحملتها عبر تاريخ استخدامها، وكيف يمكن أن يتطور اللفظ، وهذا أمر مفيد ويقدم خدمة جليلة للغة العربية. وأكد أنه قد سبق أيضا معجم الأسماء الذى أعدته سلطنة عمان بدعم من السلطان قابوس، حيث أُعد هذا المعجم فى مصر بوساطة عدد من أساتذة دار العلوم. وأبدى عميد دار العلوم ثقته فى قدرة الفصحى على هزيمة اللغة السطحية التى تستخدم بين الشباب فى مواقع التواصل الاجتماعي، وقال: لدينا وجهان يتصارعان دائما: وجه العربية الفصحي، ووجه الاستعمال غير الفصيح للغة، وهذه الازدواجية تعانيها كل اللغات بما فيها العربية، ولكن هذا لا يشكل تهديدا حقيقيا للغة، لأن استعمال القواعد الفصحى للعربية ينتصر فى النهاية، فالعربية أكثر تجذرا فى وجدان وعقل العربي، ويحافظ عليها القرآن المُنَزَّل بها، والأحاديث النبوية والشعر، وغير ذلك من وسائل الاستخدام الصحيح للغة. وأكد أن علينا أن نبرز جمال اللغة، وقدرتها على التعبير والحياة، وذلك من خلال الاستعمال غير المتقعر للغة، وعرض أفكارنا فى قالب لغوى عربى بسيط ومعبر، فى منتدياتنا العلمية والإعلامية والكتابات الصحفية، بحيث يكون ذلك تحفيزا للشباب على هجر تلك اللغة الغريبة.